من هو أبو محمد الجولاني الذي أسقط نظام الأسد؟
٨ ديسمبر ٢٠٢٤تصدر أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، مجددًا عناوين الأخبار عقب بدء تحالف المعارضة السورية المسلحة بقيادته هجومًا مباغتًا على نظام بشار الأسد أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
مع بدء هجوم المعارضة، انتقل الجولاني من خطاب إسلامي متطرف إلى نوع من الاعتدال في مسعى واضح لتغيير صورته، حيث عمد إلى الإشارة إلى نفسه باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، وليس اسمه الحركي "أبو محمد الجولاني" الذي لُقب به لسنوات طويلة.
تخلّى الجولاني، البالغ من العمر 42 عامًا، تدريجيًا عن العمامة البيضاء التي كان يضعها في بداية الحرب ليرتدي زيًا عسكريًا وأحيانًا الزي المدني.
وجال الأربعاء، 4 ديسمبر/ كانون الأول، في قلعة حلب التاريخية، ثاني أكبر مدن سوريا، بعدما سيطر مقاتلوه عليها، وأرسل "تطمينات" إلى المسيحيين بأنهم لن يتعرضوا للأذى.
ثم أعلن السيطرة على حماة في وسط البلاد، وقال إنه لن يكون هناك "ثأر" للمجزرة التي ارتكبت في المحافظة على أيدي قوات الرئيس السابق ووالد الرئيس الحالي حافظ الأسد قبل عقود، بعد انتفاضة للإخوان المسلمين.
وتسارع تقدم الفصائل المعارضة وصولًا إلى العاصمة دمشق فجر الأحد، 8 ديسمبر/ كانون الأول، مع فرار بشار الأسد.
2011... بداية التطرف
ولد الجولاني أو الشرع عام 1982، ونشأ في حي المزة بدمشق، في كنف عائلة ميسورة وبدأ دراسة الطب. وبحسب موقع ميدل إيست آي الإلكتروني، "بدأت أولى علامات الجهاد تظهر في حياة الجولاني" بعد اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، و"بدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق".
بعد الاجتياح الأمريكي للعراق في عام 2003، توجه للقتال حيث انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي. واعتُقِل الجولاني عدة مرات من قبل الجيش الأمريكي، لكنه بقي في العراق. تزامن هذا مع تنظيم داعش في العراق بقيادة أبو بكر البغدادي.
ومع اندلاع الانتفاضة السورية 2011، زادت شهرة الجولاني عندما أرسله البغدادي إلى سوريا لتأسيس فرع لتنظيم القاعدة في سوريا تحت اسم "جبهة النصرة".
وصنفت الولايات المتحدة "جبهة النصرة"، الكيان المتطرف الوليد، على قائمة المنظمات الإرهابية، وما زال هذا التصنيف قائمًا. وقد وضعت الحكومة الأمريكية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الجولاني.
جبهة النصرة
ومع اشتداد حدة القتال في سوريا عام 2013، تزايدت طموحات الجولاني. فقد تحدى دعوات البغدادي لحل جبهة النصرة ودمجها مع عمليات القاعدة في العراق.
ومع ذلك، أعلن الجولاني ولاءه لتنظيم القاعدة؛ إذ خاضت جبهة النصرة معارك ضد داعش وقضت على الكثير من المنظمات داخل المعارضة المسلحة السورية.
في أول مقابلة له في عام 2014، قال الجولاني في حديث لقناة الجزيرة إنه يرفض المحادثات السياسية التي كانت تُجرى في جنيف لإنهاء الأزمة السورية. وقال الجولاني في تلك المقابلة إن هدفه تطبيق "الشريعة الإسلامية".
مرحلة ما بعد الانفصال عن القاعدة
منذ انفصال تنظيمه عن القاعدة عام 2016، يحاول الجولاني تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالًا. ونقلت فرانس برس عن المتخصص في التنظيمات الإسلامية في سوريا توما بييريه قوله: "إنه متطرف براغماتي".
وأضاف الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا أنه "في عام 2014، كان في ذروة تطرفه من أجل أن يفرض نفسه في مواجهة تطرف تنظيم الدولة الإسلامية (الذي كان في ذروة سيطرته وقوته في سوريا آنذاك)، قبل أن يعمد لاحقًا إلى التخفيف من حدّة تصريحاته".
في المقطع المصور الذي أعلن فيه قطع علاقته بالقاعدة، قال الجولاني الذي كشف عن وجهه للجمهور لأول مرة عام 2016 وهو يرتدي زيًا عسكريًا وعمامة: "هذه المنظمة الجديدة لا تتبع لأي جهة خارجية".
مهدت هذه الخطوة الطريق أمام الجولاني لتأكيد سيطرته الكاملة على الجماعات المسلحة المتفرقة.
وبعد عام، أعاد تحالفه تسمية نفسه مرة أخرى باسم هيئة تحرير الشام. وعزز ذلك من قوة الجولاني في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
في عام 2021، قال الجولاني في مقابلة مع شبكة "بي بي إس" الأمريكية، إن هيئة تحرير الشام لا تشكل أي تهديد للغرب وأن العقوبات المفروضة عليها غير عادلة. وقال في المقابلة: "نعم، لقد انتقدنا السياسات الغربية، ولكن شن حرب ضد الولايات المتحدة أو أوروبا من سوريا ليس صحيحًا. لم نقل إننا نريد هذا القتال".
على مدى السنوات الخمس الماضية، سيطرت وأدارت "هيئة تحرير الشام" آخر معقل معارض رئيسي في سوريا في منطقة إدلب في شمال غرب البلاد حيث يعيش حوالي 4 ملايين سوري معظمهم من المهجرين والنازحين.
وخلال هذه الأعوام، اتهم سكان وأقارب معتقلين ومدافعون عن حقوق الإنسان "هيئة تحرير الشام" بارتكاب انتهاكات ترقى، وفقًا للأمم المتحدة، إلى جرائم حرب، ونُظمت تظاهرات احتجاجية على هذه الممارسات في المنطقة.
طمأنة الأقليات، ولكن؟
بعد بدء هجوم الفصائل المباغت الذي بدأ في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، سعى الجولاني إلى طمأنة سكان حلب التي تضم نسبة كبيرة من المسيحيين، داعيًا مقاتليه إلى الحفاظ على "الأمن في المناطق المحررة".
وفي هذا السياق، قال الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ لموقع "تاغسشاو" (tagesschau.de) مع بدء هجوم المعارضة: "لا يغير كل ما سبق ذكره حقيقة وجود العديد من الجهاديين في صفوفها [هيئة تحرير الشام]، وبالتالي يتعين علينا أن نتوقع أن تتصرف المنظمة كجماعة جهادية ترتكب أعمال عنف ضد الأقليات الدينية والعرقية". وأضاف "هذا قد يعني فترة من حكم الإرهاب للسكان، وخاصة في مناطق حلب التي يسكنها المسيحيون والأكراد".
من جانبها، تشكك هبة زيادين، الباحثة البارزة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، في أن "هيئة تحرير الشام" يمكن أن تدخل التاريخ كمنظمة إسلامية متسامحة.
وأضافت في مقابلة مع DW: "الخوف، الذي قد تشعر به الأقليات بما في ذلك الشيعة والأكراد والعلويين في الوقت الحالي، ينبع من سجلات حقوق الإنسان السيئة لكل من هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا الذي يشارك هيئة تحرير الشام في هجومها الحالي".
وقالت "تشمل الانتهاكات السابقة لكلا المجموعتين سوء معاملة الأقليات الدينية والعرقية بما في ذلك العنف والتهجير القسري، فضلاً عن تدمير التراث الثقافي والديني".
م ف ( أ ف ب، أ ب)