مرسي بين حجري الرحى: اليمين واليسار
٤ أكتوبر ٢٠١٢الزيارة حققت مكاسب كثيرة له شخصياً كرئيس للجمهورية ولمصر عامة.
أما ما حققه من هذه الزيارة له شخصياً فيتلخص في التالي:
1- عدم الالتفاف إلى نصائح وتوجيهات اليمين واليسار المصري. فهؤلاء جميعاً يرددون شعارات ماضوية. ولم يدركوا بعد المعادلات السياسية الجديدة في هذا العصر وأن أمريكا لم تعد حكم ريجان أو بوش كما أن مصر لم تعد حكم السادات أو مبارك.
2- كان لقاء مرسي مع الصحافة والإعلام الأمريكي فرصة ذهبية لكي يمحو مرسي الصورة السوداء والقاتمة السابقة وينير جوانب من الحكم المدني الجديد لمصر. ومثال ذلك ما اقله في اللقاء الصحافي مع الجريدة المهمة (نيويورك تايمز). ففي هذا اللقاء قال مرسي "إذا أرادت واشنطن احترام مصر لمعاهدتها مع إسرائيل، فعليها أيضاً إقامة حكم ذاتي فلسطيني. إن الولايات المتحدة عليها أن تغير نهجها فى التعامل مع العالم العربى، وأن تظهر المزيد من الاحترام لقيمه، ومساعدة الفلسطينيين فى بناء دولتهم، وذلك إذا أرادت التغلب على عقود من الغضب المكتوم." وقال كذلك "إن الولايات المتحدة عليها ألا تتوقع أن تعيش مصر وفقا لقواعدها. وإذا أردت أن تحكم على أداء المصريين وفقا للمعايير الثقافية الألمانية أو الصينية أو الأمريكية فلا مجال للحكم. وعندما يقرر المصريون شيئاً، فمن المحتمل ألا يتناسب مع الولايات المتحدة، وعندما يقرر الأمريكيون شيئا، فقد لا يتناسب مع مصر. وأن مصر لن تكون معادية للغرب، ولكنها لن تكون طيعة للغرب مثل أيام مبارك."
وتلاوم مرسي على أمريكا لوماً شديداً، لإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة اشترت كراهية شعوب المنطقة بأموال دافعي الضرائب بدعمها الحكومات الديكتاتورية ضد المعارضة الشعبية، ودعمت إسرائيل ضد الفلسطينيين."
"الاتحاد السوفيتي السابق داعم الديكتاتوريات العربية"
والحق أن من دعم الدكتاتوريات في مصر عبد الناصر وعراق صدام حسين وجزائر بو مدين ويمن عبد الفتاح إسماعيل وسوريا حافظ الأسد وليبيا القذافي وسودان جعفر نميري هو الاتحاد السوفيتي السابق المنهار وليس أمريكا التي دعمت الأنظمة الملكية المحافظة في العالم العربي. فكان على مرسي أن يكون أكثر دقة سياسية في تعليقه ذاك.
ربما كان العداء المستحكم مع أمريكا منذ أربعينات القرن الماضي حتى الآن، هو الذي دفع مرسي إلى اتخاذ هذا الموقف. وهو الموقف السياسي "المخزي" الذي دفع الإخوان المسلمين في 1990/1991 إلى الوقوف إلى جانب صدام في غزوه الغاشم للكويت ولشرق السعودية، نكاية بأمريكا، مما أفقد "الأخوان المسلمون" الدعم المالي والسياسي الخليجي بصفة عامة، وكَسَرَ جرة العسل الإخوانية، وأصبح "الإخوان" بذلك "بلاءً بعد أن كانوا دواءً"، كما قال الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي السابق (جريدة "السياسة"، الكويتية، 13/11/2004)؟
3- يعتقد مرسي والإخوان أن رضا أمريكا عن أدائهم السياسي في مصر كان في الماضي هو العائق لوصولهم الى السلطة وأن رضاها اليوم سوف يكون انفع لهم للوصول إلى هذه السلطة فهم لا ينكرون الأثر السياسي الأمريكي في المنطقة، ودور أمريكا في الهندسة السياسية العربية. فكانت زيارة مرسي لأمريكا كأول رئيس مصري منتخب، حاول مرسي من خلالها تقديم نفسه، وتقديم الفكر السياسي ألإخواني الجديد إلى الرأي العام الأمريكي، من خلال (الإخوان الجُددNeo-Bros) الذين يمثلهم اليوم مرسي.
أما ما حققه مرسي من هذه الزيارة لمصر فيتلخص في الآتي:
1- إذابة الجليد المتراكم منذ 1952 على العلاقات الأمريكية – المصرية، رغم الانفراج السياسي الذي حدث في عهد السادات – كارتر، وأدى إلى توقيع معاهدة كامب ديفيد 1978.
2- لقاء مرسي بالجالية المصرية الكبيرة في أمريكا وتأكيده في لقائه المطول مع هذه الجالية على نقطتين: الأولى، أن لا تفرقه بين المسلمين والأقباط إلا بحدود القانون. وأن لا امتيازات خاصة تُمنح للأقباط، لأنهم مواطنون مصريون عليهم ما علينا ولهم ما لنا. والثانية أهمية الدعم المالي المصري من قبل المهاجرين لمصر واشتراكهم في التنمية والاستثمار المجدي.
3- دعوة الشركات والمستثمرين الأمريكيين الى العمل والاستثمار في مصر على غرار ما فعلوه في الصين الجديدة. والتأكيد على سنِّ تشريعات من شأنها تسهيل عمل المستثمرين مع ضمان أموالهم واستثماراتهم.
عودة الى موقف الليبراليين
في مقالنا السابق في الأربعاء الماضي وعدنا بإكمال عرض موقف الليبراليين المصريين من عهد مرسي من خلال مقال رفعت السعيد الزعيم السياسي الليبرالي المصري المعروف الذي كان عبارة عن رسالة تحذيرية لمرسي مما هو قائم ومما سيقوم.
اختتم السعيد رسالته السابقة لمرسي قائلاً من وجهة نظر ليبرالية محضة:
" وأحذرك من فقر الفقراء. وأنت يلهيك عنهم أحاديث ترفض الحد الأدنى للأجور، بزعم نقص الموارد، وترفض الحد الأقصى للأجور بزعم عدم إغضاب الكبار، وترفض الضرائب التصاعدية، بزعم تشجيع المستثمرين، ويحقنونك كل يوم بوهم أن الأمور ستهدأ، وأن العمال سيمتنعون عن المطالبة بخبز لأطفالهم لمدة عام، وهو ما لن يحدث.. فهل يصبر أب على جوع أطفاله لمدة يوم واحد وليس عام كامل؟
ثم تتمادى عمليات إفقار الفقراء، لتصل إلى تجويع الفقراء، فيغريك خبراء جماعتك برغيف العشرة قروش. فحذار.. حذار من أن تمس رغيف الخبز. واحذر ثورة الجياع، فلا أنت، ولا جماعتك، ستقدرون على مواجهتها."
ومن الملاحظ أن السعيد نسي أو تناسى أن الذين أوصلوا مرسي إلى الرئاسة هم الفقراء والعمال البسطاء. فقد كان "المثقفون"، ورجال الأعمال، والإعلام، والمشتغلين بالفن، وأثرياء الحزب الوطني السابق ضد مرسي ووصوله الى سدة الرئاسة. ومن هنا يحرص مرسي على تقليص نسبة الفقر والفقراء في مصر بقدر الإمكان. ولا نقول القضاء على الفقر. فمصر فقيرة منذ آلاف السنين ومن الصعب القضاء على الفقر في بلد كمصر يزداد عدد سكانه (أصبحوا أكثر من 90 مليوناً الآن) بفعل التدين الشعبي الذي عرضته الباحثة التونسية زهيّة جويرو في كتابها (الإسلام الشعبي) وبفعل التركيبة السكانية التي تشير الى 70% من المصريين يعيشون في الأرياف حيث ينتشر التدين الشعبي. وبفعل قلة موارد مصر الطبيعية وشح المياه نسبة لعدد السكان المتزايد بشكل مضطرد. هناك مثل شعبي يقول "لا توصي حريصا" ومرسي رئيس حريص على ولايته وعلى حزبه وعلى بلده. وسيعمل من خلال هذا الحرص.