لمياء قدور: مسلمو ألمانيا ليسوا مسؤولين عن صعود "البديل"
٢٦ سبتمبر ٢٠١٧بعد الاختراق التاريخي الذي حققه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي وتمكنه من دخول البرلمان لأول مرة، تتجه الأنظار نحو الجالية المسلمة في ألمانيا والتي بنى الحزب اليميني الشعبوي جزءا كبيرا من حملته على خطابات تعاديها. فما هي المخاوف التي يشعر بها المسلمون في ألمانيا بعد صعود هذا الحزب؟ ومع استمرار تنامي الخطاب اليميني الشعبوي بشكل عام، هل يتحمل المسلمون جزءا من المسؤولية في الإنجاز الذي حققه هذا الحزب؟
DW عربية حاورت لمياء قدور الكاتبة والباحثة في شؤون الإسلام بهذا الخصوص وفيما يلي نص الحوار:
DW عربية: من جهة فازت ميركل التي تعتبر مساندة للاجئين والتي تؤكد على أن الإسلام جزء من ألمانيا، ومن جهة أخرى حقق اليمين الشعبوي اختراقا تاريخيا، فما النتيجة الأهم بالنسبة للمسلمين في ألمانيا من هذه الانتخابات في اعتقادك؟
لمياء قدور: أعتقد أنه من المهم أن ندرك نحن مسلمو ألمانيا بأن حوالي 13 بالمائة من الناس في ألمانيا صوتوا لحزب من الواضح جدا أنه معاد للإسلام، وبأن السيدة ميركل ربما تتحمل جزءا من المسؤولية في تحول كل هؤلاء الناخبين والناخبات إلى حزب البديل من أجل ألمانيا.
ولأكون صريحة، ما يشهده المشهد السياسي من تحول إلى اليمين بشكل ملموس، ليس فقط في ألمانيا بل في أوروبا والعالم بأسره، يؤثر بشكل أكبر على المسلمين. نحن لسنا غرباء في هذا البلد، فغالبية المسلمين في ألمانيا ألمان ولهذا يقلقنا عندما نرى أن 13 بالمائة من الناخبين صوتوا لحزب ذي توجه يميني شعبوي واضح.
أبدى المجلس الأعلى للمسلمين قلقا ومخاوف من فوز حزب البديل من أجل ألمانيا، ما هو رأيك أنت كممثلة لتيار المسلمين الليبراليين؟
كممثلة للإسلام الليبيرالي كان واضحا بالنسبة لي ومنذ العام الماضي أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحظى بإقبال كبير وأن هذا الإقبال لن يتراجع. لم يفاجئنا حصول حزب عنصري معادي للإسلام على كل هذه الأصوات، لكن الأسئلة المطروحة لدى عدد كبير من المسلمين هو إلى أين ستتجه الأمور الآن؟ ما الذي سيحدث؟ هل سيتم التضييق على حقوقنا؟ هل يعني هذا نهاية حرية التدين بالنسبة لنا؟ ولكن كل هذه المخاوف غير منطقية. ينبغي بالمقابل أن نضع صوب أعيننا بأن 87 بالمائة من الألمان لم يعطوا أصواتهم لليمين الشعبوي.
هل تعتقدين أن فوز حزب البديل من أجل ألمانيا بهذه النسبة الكبيرة سيؤدي إلى تغيير في المناخ السياسي والمجتمعي لحياة المسلمين في هذا البلد بالفعل؟ وهل يمكن أن يؤثر ذلك على سلوك وخطاب أحزاب سياسية أخرى؟
شخصيا لدي ثقة كافية في دولة القانون في بلادي. لا أظن أن 13 بالمائة من الناس سيلحقون تغييرا كبيرا جدا بالبلد كأن يصل الأمر مثلا لتغيير الدستور. من غير الممكن أن يتم ذلك بهكذا نسبة. لذلك لا أرى مبررا للعديد من المخاوف، فحرية التدين في اعتقادي ليست مهددة ولن تتأثر. لكن ما يقلقني هو أن من البديهي أن تتغير ثقافة النقاش كما عهدناها في بلدنا وأن الخطاب حول الإسلام في المجتمع سيتغيرعندما تحل الأفكار اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام في البرلمان الألماني.
وبالفعل نلاحظ أن الأحزاب الأخرى بدأت تتأثر كذلك وتحاول التوجه أكثر نحو اليمين. بالإضافة إلى ذلك، فكراهية الإسلام ليست بالأمر الجديد. عمرها على الأقل عشر سنوات في ألمانيا ولا أعتقد أن المسلمين سيعايشون أسوأ مما عايشوه حتى الآن. أعتقد أن ما سيحدث هو عودة خطابات معادية للمسلمين بقوة إلى الواجهة مجددا كتلك المتعلقة ببناء المساجد مثلا، وسيتجدد النقاش حول بناء المساجد وهل هو أمر مقبول أم لا، كذلك سيعود النقاش حول موضوع الحجاب وربما الختان وغير ذلك.
ألا تقلل الانقسامات داخل حزب البديل من أجل ألمانيا نفسه من مخاوف المسلمين أو شرائح منهم؟
لا أعتقد ذلك، فكل مسلم يعيش في هذا البلد يعي أننا أمام حزب سبق وشخص الإسلام كمشكلة في ألمانيا، وهذا سبب أساسي من أسباب حصوله على كل هذه الأصوات وفي المستقبل سيحاول الحزب أن يسير على نفس المنوال. ينبغي على المسلمين أن يكونوا مستعدين خلال السنوات الأربع المقبلة على أقل تقدير لفكرة أن الجدل والنقاشات العامة حول الإسلام في ألمانيا ستسيطر عليها وجهات نظر يمينية شعبوية.
أظهر استطلاع حديث للرأي بأن الخوف من الإسلام أثر على تصويت نسبة هامة من الناخبين، إلى أي حد استفاد حزب البديل من أجل ألمانيا من ظاهرة الخوف من الإسلام في كسب الأصوات؟
هذا هو الموضوع الجوهري لحزب البديل أصلا. لا ننسى أن بداية هذا الحزب تزامنت مع بداية احتجاجات حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام والتي تتبنى خطاب الخوف من أسلمة أوروبا. هذا المناخ من الكراهية والخوف استغله حزب البديل من أجل ألمانيا ووظفه بشكل ذكي. الآن بشكل عام تجد الأصوات المعادية للإسلام في الكثير من المناطق في العالم منها الولايات المتحدة، تربة خصبة لها.
هل يمكن الحديث عن دور للمسلمين أنفسهم، أو جزء منهم، في النتيجة التي حققها حزب البديل؟
لا يمكن القول بأنهم السبب في حصول حزب البديل من أجل ألمانيا أو أي حزب يميني متشدد آخر على الكثير من الأصوات والإقبال. عندما نذهب لما تقوله الدراسات في علم الاجتماع أو دراسات العنصرية نجد أن معاداة الإسلام لا تحتاج لوجود المسلمين لكي تنتشر ونفس الشيء ينطبق على معاداة السامية. وهذا النوع من الكراهية يستهدف مجموعات مختلفة، أحيانا النساء مثلا أو المثليين أو اليهود والآن المجموعة المستهدفة هي المسلمون واللاجئون. لذلك ليس في وسع المسلمين أن يعملوا أي شيء للحد من تنامي كراهية الإسلام.
لكن ألم يساهم تنامي ما يسمى بالإرهاب الإسلاموي في صعود اليمين المتطرف؟
بالطبع فعل ذلك. هو عزز كراهية الإسلام ولكنه ليس السبب. التطرف اليميني من جهة والإسلام السياسي والاعتداءات الإرهابية من جهة أخرى يحتاجان بعضهما ولكن لا أحد منهما يتسبب في الثاني. التطرف الإسلاموي يحتاج الإسلاموفوبيا لينشر خطاباته والعكس صحيح، اليمينيون المتطرفون يحتاجون التطرف الإسلاموي لينشروا أيضا خطاباتهم. ولهذا السبب يجب محاربة الاثنين على كل المستويات في نفس الوقت فهما وجهان لعملة واحدة.
ما الذي يجب على المنظمات الممثلة للمسلمين القيام به لمواجهة الخطاب الذي ينشره هذا الحزب حيال المسلمين؟ هل هنالك أخطاء أو أمور معينة ينبغي إصلاحها برأيك؟
نحن المسلمين جزء من هذا البلد ولكن لوحدنا لا يمكننا القيام بشيء، يجب على المجتمع ككل أن يتحرك ضد تنامي خطاب الكراهية والعنصرية ومعالجة الأسباب التي أدت إلى صعود هذه الخطابات. نحن في النهاية في نفس القارب وهذه الأخطاء تتهددنا جميعا.
وفيما يتعلق بالمسلمين أعتقد أن أهم ما يمكن فعله لمواجهة صعود حزب كحزب البديل من أجل ألمانيا هو المشاركة في العملية الديمقراطية في ألمانيا وبشكل أساسي من خلال الانضمام والمشاركة بفعالية في الأحزاب الديمقراطية. أسوأ ما يمكن فعله هو التقوقع وأن يعتقد كل مسلم أنه ليس جزءا من هذا المجتمع فقط لأن حزبا يعاديه صعد إلى البرلمان. فالديمقراطية هي أرضية تعايش للجميع هنا في ألمانيا، سواء كان هؤلاء مسلمين أم لا.
أجرت الحوار: سهام أشطو