كيف يصمد نظام القذافي أمام هجمات الثوار وقصف الناتو؟
٢ أغسطس ٢٠١١منذ حوالي تسعة عشر أسبوعاً وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يشنّ غارات جوية مكثفة تستهدف البنية التحتية العسكرية والإدارية لنظام العقيد معمر القذافي، الذي يحكم ليبيا منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان. وتترافق هذه الضربات الجوية مع هجمات مكثفة يشنها الثوار الليبيون، الذين باتوا على مقربة من العاصمة طرابلس.
وعلى الرغم من هذه الهجمات، والعزلة الدولية المفروضة بقرار من الأمم المتحدة على القذافي، يبدو وكأن نظامه لم يتأثر، مع استمرار القوات الموالية له في صدّ محاولات الثوار الهادفة إلى الزحف على طرابلس، التي تشهد هدوءاً لا يتناسب وأحاديث الثوار عن "انتفاضة" تعم البلاد بأكملها. حتى القمع الحكومي الممارس، الذي تتحدث عنه قلة من سكان العاصمة، يشكل دليلاً آخر على أن قبضة النظام لم تتراخ بعد.
توجه دولي إلى حل سياسي
ويبدو أن قدرة القذافي هذه على الصمود دفعت بالمجتمع الدولي، حتى بدول مثل فرنسا وبريطانيا، اللتين لعبتا دوراً كبيراً في دعم الثوار الليبيين، إلى الحديث بصوت أعلى عن إمكانية تبني حل سياسي من أجل "حقن دماء الليبيين" على حد قولهم – حل يمكن من خلاله إرضاء طرفي الصراع وإنهاء الأزمة في ليبيا دون تحويلها إلى "عراق ثان".
ويرى الدكتور أندرياس ديتمان، خبير الشؤون الليبية والأستاذ في جامعة غيسن الألمانية، في حديث مع دويتشه فيله، أن من بين أسباب صمود نظام القذافي "القوة النسبية للوحدات العسكرية التي لا يزال يقودها، وهذا يعود إلى تسليحها بشكل كبير قبل اندلاع الثورة. السبب الآخر هو افتقار قوات الثوار إلى الحنكة العسكرية اللازمة لهزيمة هذه القوات".
وبالرغم من إجماع الخبراء على عدم إمكانية التنبؤ بدقة بمدى قدرة نظام القذافي على الاستمرار في صد هجمات الثوار والحفاظ على مكانته في غرب البلاد، يشير أندرياس ديتمان إلى أن جميع أطراف الصراع بدأت تدرك بأن المعركة ستطول إلى أجل غير مسمى، وهو ما دفعها إلى السعي للتوصل إلى حل سياسي يضمن تحقيق أهدافها.
نظام شرس ومخادع
من جهته، يرجع المحلل السياسي الليبي المقيم في لندن، إسماعيل المحيشي، في تصريح لدويتشه فيله، أسباب ثبات نظام القذافي إلى ما وصفه بـ "شراسة هذا النظام ... والأساليب الإستخباراتية التي يستخدمها لقمع المواطنين الليبيين واختراق صفوف الثوار". ويدلل المحيشي على ذلك بمقتل القائد العسكري للثوار والساعد الأيمن للقذافي سابقاً، عبد الفتاح يونس، في الثامن والعشرين من الشهر الماضي في بنغازي، معقل الثوار الليبيين.
إلا أن الخبير الألماني ديتمان يوضح بأن هناك عدداً من وجهات النظر "المعلنة وغير المعلنة" فيما يتعلق بمقتل يونس، منها ما يرى بأن السبب هو "هجوم من قبل موالين لنظام القذافي، فهو كان وزير الداخلية في نظامه والرجل الثاني في البلاد قبل انتقاله إلى صفوف الثوار. أما وجهة النظر الثانية فتقول إن مقتله كان على يد تيار داخل الثوار لم يكن مقتنعاً بأسلوب إدارته للمعركة، وأنحى عليه باللائمة بالفشل العسكري للثوار في معركتهم مع قوات القذافي، واتهمه حتى بتعمد قيادة الثوار بشكل خاطئ من أجل إفشال خطة الإطاحة بالنظام الليبي".
وجهات النظر المختلفة هذه تطرح إمكانية وجود نوع من الانشقاق في صفوف الثوار الليبيين، سببه معمر القذافي بشكل مباشر أو غير مباشر. إلا أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يمثل الذراع السياسي للثوار، يعتبر عبد الفتاح يونس بطلاً سقط في معركة تحرير البلاد، وينكر أي دور للثوار في قتله. ويعتقد أندرياس ديتمان أن ذلك يحقق هدفاً هاماً يتمثل في "عدم إظهار أي صورة للانشقاق في صفوف الثوار، مما قد يسهم في عدم حدوثها على أرض الواقع".
من جهته يؤكد المحلل السياسي إسماعيل المحيشي أن نظام القذافي يستخدم عدداً من "الحيل" من أجل اختراق صفوف الثوار، منها "دفع بعض الموالين للنظام للاتصال بالثوار وعرض بيعهم أسلحة، بغرض التواصل معهم وغرس الثقة لديهم، ومن ثم تصفيتهم بعد تحديد مواقعهم ... أسلوب آخر يستخدمه القذافي هو عزل المناطق الليبية عن بعضها البعض ... هذا يهدف إلى تشتيت المعارضين وقطع الاتصال والتنسيق بينهم".
النظام "اللغز"
وما يساهم بشكل كبير في تعزيز فكرة أن نظام القذافي لا يزال صامداً هو الغموض الذي يكتنف هذا النظام وأركانه، مما يجعل من الصعب رؤية ما بداخله أو إطلاق أي أحكام تتعلق بتماسكه أو الفترة الزمنية التي يمكن أن يظل خلالها صامداً. ويعتقد الخبير الألماني الدكتور أندرياس ديتمان أن أي توقعات متعلقة بصمود نظام القذافي يجب أن تكون مبنية على خلفية معلومات دقيقة حول الترسانة العسكرية التي لا يزال العقيد يمتلكها.
ويضيف ديتمان أن ما يصعّب من هذه التوقعات أو التنبؤات هي "الأخبار التي تردنا يومياً من ليبيا، والتي يتم زخرفتها لأسباب سياسية وإستراتيجية". ويقول إسماعيل المحيشي إن نظام القذافي لا يتوانى عن أي عمل من شأنه أن يحفظ ثباته ويقلل من معنويات الثوار، بما في ذلك التهديد باغتيال أعضاء المجلس الوطني الانتقالي والمعارضين الليبيين في الخارج.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: أحمد حسو