فنانة جاز ألمانية تنشر رسائل السلام والتسامح في المغرب
٢٢ ديسمبر ٢٠١٣
لم يمنع الجو البارد، الذي يميز عادة أيام شهر ديسمبر/ كانون الأول في المغرب من توافد العشرات من العاشقين لفن الجاز إلى الفضاء الفسيح بالمكتبة الوطنية بالعاصمة الرباط، الرابضة على ضفتي الأطلسي ونهر أبي رقراق، وكان لافتا أيضا بينهم حضور نسبة مهمة من فئات الشباب من الجنسين، بينهم مغاربة وأجانب. فإلى جانب خيوط التواصل التي ينسجها معهد غوته، جريا على العادة في مثل هذه المناسبات، انضافت خيوط أخرى موازاة متمثلة في "حضور فاعل لشبكة التواصل الاجتماعي عبر الفيسبوك في نشر الدعوة إلى لقاء هاغه"، كما جاء على لسان شاب حضر العرض. وباستثناء رنات معدودة لهواتف محمولة، وبعض همسات عابرة داخل القاعة، فإن حفل الفنانة الألمانية تمكن من حيازة تركيز وتفاعل الجمهور بشكل كبير.
"طائرة من ورق" ذهابا وإيابا بين المغرب وألمانيا
ولدت أولريكه هاغه في مدينة كولونيا بولاية شمال الراين فيستفاليا في غرب ألمانيا، ودرست الفن بمدينة هامبورغ، وإن كان عنوان سكنها يحمل اسم العاصمة برلين، فهي تقيم حقيقة على أجنحة السفر بين الموسيقى والفن، تتنقل بين الأقطار وتنجذب إلى الكشف والترحال، من سيبيريا إلى تخوم أفغانستان، ومن قلب أوروبا إلى إفريقيا ورمال الصحراء، هنا وهناك حيث تمر مبدعة " سيلافي" (ألبومها الأول/ 2004) ثمة أثر وعبق ريح لايندثر.
الفنانة الألمانية أبدت سرورها بالعدد الكبير من الشباب الذي حضر العرض وباستماع الجمهور بتركيز كبير لها كما أكدت في حديث لـDW قائلة: "كنت بين المقاطع ألقي بنظرة على القاعة، وكان شيئا جميلاً أن أرى الانتباه يعلو الوجوه، خصوصا وأنني أرتجل أحيانا في عروضي الموسيقية،". وأشارت إلى أن كل جمهور مختلف عن الآخر مضيفة: "كان يراودني حب استطلاع حول كيف سيكون رد فعل الجمهور هنا في الرباط، وحقيقة شئ رائع أن الجمهور كان مركزا بشكل كبير."
دفع لقاء الفنانة الألمانية بالجمهور في المغرب إلى تقديم وصلة موسيقية خاصة بعنوان " طائرة من ورق"، كتبت نصها في ألمانيا، واستوحتها خلال زيارة سابقة لها للمغرب من لعبة أطفال صغار كانوا يمرحون، ويداعبون في شغف كبير طائرات من ورق في إحدى القرى المغربية.
و سبق لهاغه أن زارت المغرب أكثر من مرة كما تروي: "أنا كنت في طنجة حين كنت أدرس بول بولز وبعض الكتاب المغاربة، منهم محمد شكري ومحمد المرابط، كما قمت برحلات إلى جنوب المغرب وإلى القصبات، وسافرت بالحافلة وركبت سيارة الأجرة والدراجة الهوائية في قرى مغربية، وهذا غير معتاد بالنسبة لي". الفنانة التي باتت تحوز اليوم شهرة عالمية كانت أول امرأة تحصل على جائزة "ألبيرت مانغلسدورف" للجاز بألمانيا في عام 2003 ، عن أعمالها التي تخترق الحدود وتمزج بين ألوان وعوالم موسيقية مختلفة.
شحن بطاريات بين الحديقة الأندلسية وأمواج البحر
ترى هاغه في عملها رسالة فنية، خاصة فيما يتعلق بالحوار مع بلدان مثل المغرب، لأن "الموسيقى لا تعترف بالحدود وهي لغة السلام والتسامح"، كما تؤكد في حديثها لـDW وتضيف أن زيارتها للمغرب وزيارة المناطق العتيقة والمقاهي التقليدية تساعدها أيضاً في استلهام أفكار جديدة.
لا تحدد الفنانة التي نشأت بين أسطوانات الجاز ودرست الموسيقى الكلاسيكية وخاضت في دروب البوب مشاريعاً محددة سلفا، فهدفها هو أن "تنتج موسيقى جيدة وتعيش من خلالها شراكات وتعاون جديد ومشوق، وأن تصل أعمالها إلى فئات أخرى من الجمهور".
من القلب وإلى القلب
وفنها يصل فعلاً لقلوب الجمهور، فخولة الرامي(17) تلميذة بالثانوية العامة من مدينة سلا ضواحي الرباط، حضرت العرض الموسيقي لأولريكه هاغه، بعد أن تلقت دعوة حضور من مدرسها في اللغة الألمانية، ونال إعجابها كما تقول: " الفقرات الموسيقية نتركت لدي إحساسا خاص، وهذه المناسبات فرصة في الانفتاح على الآخر والاقتراب منه."
أما جيلالي وهو طالب بالجامعة في شعبة العلوم الاجتماعية، فقد بدا منتشيا في نهاية العرض، ووصف شعوره قائلاً: "الموسيقى هي روح الشعوب، عشنا لحظات شيقة أخرجتنا من ذواتنا وعبرت بنا عوالم أخرى خارج الحدود.... وكما هو أصل فن الجاز فإنني شعرت حقيقة في دواخلي بنوع من التحرر والانعتاق" .
بينما يان، الشاب الألماني المنحدر من ضواحي مدينة أولم جنوب ألمانيا، ويقطن في حي سيدي موسى بسلا، ويشتغل متطوعا في جمعية مدنية تهتم بالأطفال المعاقين بذات المدينة، فيرى أن العرض رائعاً "أمتع الجمهور و كان بمثابة جسر جميل بين المغرب وألمانيا".