غجر الروما في فرنسا ما بين التأقلم والحفاظ على التراث
٢٠ سبتمبر ٢٠١٣صورة بالأبيض والأسود لمجموعة صغيرة من الأطفال جالسين على الرمال بجانب فرن حديدي، ونساء ورجال يحومون حول عازفين للقيثارة. وتظهر في الخلفية عربة خيل. بارو، 36 عاما، يُعلم على رأس جده في هذه الصورة باللون الأبيض. إنه الجد، دجيانو راينهاردت، أحد مؤسسي موسيقى الجاز الأوربي. وهو أيضا من أفراد عائلة "مانوش" الغجرية الشهيرة ذات الأصول البلجيكية-الفرنسية والتي استوطنت غرب أوربا منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
نشأ بارو، مثل جده دجيانو راينهاردت، في منطقة مونتروي شرق باريس. وقد تعرف على صديقه كاكا ليكتشف في ما بعد، أن جد الأخير يظهر أيضا على تلك الصورة القديمة. واليوم يألف الاثنان أغاني الهيب هوب ويمزجان الإيقاعات بأنغام القيثارة والكمان. أما كلمات أغانيهم فتؤكد على فخرهما بأصولهما الغجرية وانتقادهما الحاد للعنصرية التي يعايشونها في حياتهما اليومية، خاصة بعد أن قام الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، عام 2010، بهدم معسكرات لغجر الروما. وقد أدت هذه الخطوة إلى زيادة كراهية الغجر في فرنسا. ونُقل عن ساركوزي آنذاك: "الغجر ما هم إلا لصوص ويجب حبسهم، فهم يسرقون منذ نعومة أظافرهم"؛ ولربما دفع هذا ببعض المواطنين الفرنسيين إلى الاعتقاد أن ما قاله رئيس الجمهورية عن الغجر، لابد وأن يكون صحيحا.
فرنسيون من الدرجة الثانية
ويُتداول اسم نيكولا ساركوزي لدى غجر الروما في فرنسا بمرارة شديدة، خاصة من قبل الـ20 ألف مهاجر من بلغاريا ورومانيا، الذين هدمت معسكراتهم باستمرار من قبل الشرطة الفرنسية. بل إن المناخ العام ازداد سوء بالنسبة لـبارو وكاكا وباقي العائلات الغجرية التي تعيش منذ عقود بل قرون في فرنسا.
ورغم أن الشابين يحملان الجنسية الفرنسية، إلا أنهما يشعران بأنهما مواطنان من الدرجة الثانية. "أطفالي يذهبون إلى المدرسة دون أن يعرف أحد أنهم من الغجر، ليس لأننا نستنكر أصولنا ولكن لكي لا يضايقهم أحد أو يسخر منهم"، يقول بارو. أما كاكا فيوضح أن ذلك ينطبق أيضا على سوق العمل، "حين يعرفون أنك غجري، لا يوظفونك أو يراقبونك وإذا ما اختفى أي شيء، تصبح أنت أول المتهمين".
ثقافة حية
يعيش الفنان غابي منذ ثلاثين عاما في عربة متنقلة "كارافان"، ويدرك جيدا صعوبة الحصول على مكان لركن سيارته التي يعيش فيها. وعلى المستوى الأوروبي، لا يوجد إلا في فرنسا وبلجيكا وانجلترا، عدد كبير مما يطلق عليهم "الرُّحل العصريين" على غرار الفنان غابي. ويقدر عددهم في فرنسا وحدها بنحو 250 ألف شخص، خمسهم من غجر الروما. وتوفر عرباتهم المتنقلة راحة أكبر من كثير من الشقق العادية أو المنازل. وبحسب القانون الفرنسي فإن كل مجمع يزيد عدد سكانه عن 5 آلاف شخص، عليه توفير أماكن لإقامة العربات المتحركة، "الكارافان"، لكن نصف البلديات الفرنسية فقط تحترم مقتضيات هذا القانون. ومنذ بداية القرن التاسع عشر كان يجب على الأشخاص الذين ليس لديهم مكان إقامة ثابت، أن يتوجهوا إلى أقسام الشرطة لتسجيل أماكن إقامتهم على كتيب يطلق عليه "كتيب التنقل"، وذلك كل ثلاثة أشهر. ومنذ عام فقط تمّ تعديل هذا القانون، ليصبح على هؤلاء تسجيل مكان الإقامة على الكتيب لمرة واحدة فقط في السنة. وهو ما اعتبره غابي "إجراء قضائي ، تمّ تبنيه عمدا لممارسة الرقابة، ومن ثمة هو إجراء عنصري".
الباحث الاجتماعي، أوليفير بيرو، مهتم بشؤون غجر الروما والعنصرية التي يعاملون بها في فرنسا. وقد لاحظ أن الأجيال الشابة تعمل على أن تندمج وتتكيف مع المجتمع الفرنسي من ناحية، وأن تحافظ على تراثها الغجري من ناحية أخرى. بيد أن "الزواج من فرنسي ليست أصوله من غجر الروما، أمر غير مرحب به"، يوضح الباحث الاجتماعي الذي يضيف أن "عبقرية غجر الروما تكمن في إضفاء نكهة غجرية على الثقافة المحلية، لتحولها إلى رصيد خاص يثري موروثهم الثقافي". وفي هذا السياق أعرب بارو وكاكا أنهما يريدان نقل مبادئ وفلسفة حياة أجدادهم الغجر إلى أطفالهم، لكن في قالب عصري، يتماشي بطبيعة الحال مع نمط الحياة السائد في القرن الحادي والعشرين.