٢٧ ديسمبر ٢٠٠٥
في مبادرة جديدة تسعى منظمة البلدان المصدرة للبترول/ اوبك إلى تعزيز التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط. وفي هذا الإطار زار الأمين عام للمنظمة ووزير النفط الكويتي أحمد الفهد الصباح مؤخراً الصين التي أصبحت ثاني أكبر مستهلك للبترول بعد الولايات المتحدة. كما زار روسيا التي تُعد ثاني أكبر منتج نفطي بعد السعودية. وخلال محادثاته في بكين اتفق الصباح مع الجانب الصيني على التنسيق المستمر لتأمين طلب السوق الصينية المتزايد على النفط الخام دون التسبب بحدوث اختناقات في السوق الدولية. أما في موسكو فقد تم الاتفاق على صياغة سياسة إنتاج مشتركة بين روسيا والمنظمة. ويشمل التعاون في هذا الإطار الاستثمارات في مجالات التنقيب والإنتاج والتكرير بهدف الحفاظ على إمدادات السوق واستقرار الأسعار.
عوائد مالية ضخمة ...
خلال السنوات القليلة الماضية أدت عوامل عديدة إلى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى مستويات قياسية وصلت إلى 70 دولاراً للبرميل. ويبرز من بين هذه العوامل ارتفاع الطلب نتيجة النمو الكبير للاقتصاد الصيني والوضع غير المستقر في العراق، إضافة إلى إعصار كاترينا الذي ضرب العديد من منشآت الإنتاج والتكرير جنوب الولايات المتحدة. وخلال الأسابيع الماضية استقرت الأسعار على حدود 50 دولاراً للبرميل الواحد. ويعتبر هذا السعر مرتفعاً قياساً إلى أسعار تسعينيات القرن الماضي التي تراوح معدل سعر البرميل خلالها بين 17 و 28 دولاراً. وعلى ضوء التوقعات باستمرار ارتفاع الطلب على الاستهلاك بسبب ضعف طاقات التكرير وبرد الشتاء وغير ذلك من العوامل الأخرى، يتوقع المراقبون محافظة أسعار النفط على مستويات عالية خلال العام القادم والأعوام القليلة القادمة. ومما يعنيه ذلك استمرار تدفق المزيد من العائدات النفطية العالية إلى الدول العربية المصدرة للبترول.
... وفرص تنموية نادرة
ارتفاع العائدات النفطية أدى إلى تراكم ثروات مالية ضخمة في الدول العربية المصدرة للنفط وفي مقدمتها السعودية وبلدان الخليج الأخرى، إضافة إلى ليبيا والجزائر. وتقدر قيمة هذه العائدات بحوالي 300 مليار دولار خلال العام الجاري 2005. وعلى ضوء استمرار زيادة الإنتاج النفطي وارتفاع أسعاره يتوقع خبراء الاقتصاد الحفاظ على هذا المستوى من العائدات. ويشكل التراكم المذكور فرصة نادرة للدول العربية من أجل دفع عملية الخصخصة والإصلاح الاقتصادي التي عانت من مشاكل تمويلية في السابق كذلك. كما تشكل فرصة لتحديث بناها التحتية واستكمال مقومات تنويع مصادر دخلها التي تعتمد على النفط بشكل رئيسي حتى الآن.
مطلوب تنويع مصادر الدخل ...
ويشكل تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط ابرز التحديات التي تواجه الدول العربية لاسيما النفطية منها خلال الأعوام القادمة. ويعود السبب في ذلك إلى أن ثروة النفط من الثروات الناضبة. كما أنها لا تعكس اقتصاداً يتمتع بكفاءة عالية وقدرة على المنافسة. ويضاف إلى ذلك أن الاقتصاديات النفطية ليست من الاقتصاديات القادرة على استيعاب الأيدي العاملة وتخفيف مشاكل البطالة بسبب اعتمادها الرئيسي على الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة دون الأيدي العاملة. وتعتبر البطالة من أكثر المشاكل تعقيدا في الدول العربية وخاصة في صفوف الشباب. وقد وصلت نسبتها إلى أكثر من 20 بالمئة في صفوفهم. ومن شأن ذلك خلق مشاكل اقتصادية واجتماعية تشكل تهديداً حقيقا للاستقرار في البلدان المذكورة.
... وتعزيز جهود الإصلاح
ورغم جهود عملية الإصلاح الاقتصادي التي بذلتها الدول العربية خلال العقدين الماضيين، فإن أياً من اقتصادياتها لم يحقق حتى الآن ديناميكية ذاتية تعكس استقلالية ولو نسبية عن تقلبات سوق النفط الدولية. وهذه يعني ضرورة قيامها بدفع هذه العملية من خلال تصحيح أوضاع مؤسسات القطاع العام وتعزيز موقع القطاع الخاص الذي ما يزال الطابع العائلي يهيمن عيله. وعلاة على ذلك يمكن في هذا الإطار الاستفادة من تجربة إمارة دبي على صعيد تشجيع قطاعي التجارة والسياحة والخدمات المالية. أما على صعيد القطاعات الصناعية الأخرى وفي مقدمتها الصناعة والزراعة والنقل فإن على الدول العربية إبداء الجرأة والإبداع في تطويرها. فبدون هذا التطوير لن يتم تخفيف مشكلة البطالة والتبعية الاقتصادية. ومن حسن الحظ فإن أسواق هذه الدول من الأسواق الواعدة وتحظى باهتمام المستثمرين الدوليين شريطة تقديم الضمانات الكافية لهم لدخولها كمستثمرين مباشرين. ففي ألمانيا مثلاً يوجد المئات من الشركات المتوسطة المبدعة والباحثة عن أسواق تنتج فيها سلع صناعية تتمتع بكفاءة تقنية عالية. وبالإضافة إلى ذلك يمكن للعديد من الأسواق العربية، كالسوقين السعودي والجزائري، أن تكونا المكان الأفضل لفروع تابعة لهذه الشركات على ضوء حجمها الكبير وقوتهما الشرائية المرتفعة.