انتخابات الرئاسة المصرية.. الأشخاص قبل البرامج
١٨ يناير ٢٠١٨الملاحظة الجوهرية على قائمة المرشحين المحتملين لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر، حتى الآن أنها تدور في معظمها بين أشخاص، وليس بين أهداف أو سياسات أو برامج أو أحزاب.
هذا الأمر مرض خطير يصيب السياسة المصرية في مقتل ويؤدي إلى مشاكل خطيرة ومتنوعة، منها مثلاً وجود العديد من المرشحين "المهرجين".
لكن سيقول البعض إن وجود بعض "المهرجين" أمر يمكن احتماله، طالما أنه سينتهي مع نهاية الانتخابات، والمهم هو وجود مرشحين جادين، وهو الأمر الذي أشرت إليه في عجالة الأسبوع الماضي في نفس هذا المكان.
المشكلة الأكبر أن الصراع الانتخابي بين أشخاص وليس على أساس برامج سيجعلنا ندور في نفس المكان، من دون تحقيق أي تقدم للأمام، ولو بخطوة واحدة.
المنطقي والطبيعي أن تكون المنافسة بين أشخاص يمثلون برامج ورؤى حزبية مختلفة، وليس بين أشخاص يعتمدون على ذواتهم فقط.
طبعا يمكن أن تكون هناك شخصية عامة، لكنها تنتمي لحزب أو تنظيم معين، أو حتى لا تنتمي رسمياً لحزب، لكنها مدعومة بشكل أو بآخر من حزب أو تيار سياسي كبير أو تعبر عن الأفكار العامة لهذا الحزب أو ذاك التيار.
على الورق هناك بعض المرشحين المحتملين محسوبون على أحزاب وقوى سياسية، وهو أمر نظري ليس له أساس حقيقي على الأرض.
لو حاولنا تطبيق هذه الظاهرة على الأسماء المطروحة للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية فسنكتشف ما يؤكد صحة الفرضية القائلة بأننا بصدد معركة انتخابية بين أشخاص وليس برامج متصارعة.
عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية الحالي، والمرشح المحتمل جداً، لا ينتمي إلى حزب أو تيار سياسي، وهذا أمر مفهوم تماماً بحكم خلفيته العسكرية، فالرجل كان مديراً للمخابرات الحربية حتى أغسطس/ آب 2012، وبعدها صار وزيراً للدفاع حتى انتخابه رئيساً للجمهورية في يونيو/ حزيران 2014. والدستور وضع قيوداً على أن رئيس الجمهورية يفترض أن يترك أي حزب ينتمي إليه في حال انتخاب رئيساً.
شاهدت واستمعت إلى كثير من الكتاب والشخصيات العامة تطالب الرئيس السيسي بتكوين حزب سياسي، أو أن يكون له ظهير سياسي يدعمه مباشرة، لكن الرجل لم يكن متحمساً للأمر بصورة واضحة.
ربما تكون الخلفية العسكرية أحد أسباب عزوف السيسي عن تشكيل أو رعاية حزب سياسي. لكن هناك في تقديري سبب آخر، وهو أن السيسي، قابل العديد من السياسيين من مختلف الأطياف بعد ثورة 25 يناير 2011، حينما كان مديراً للمخابرات الحربية، مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر حتى انتخاب مرشح جماعة الإخوان محمد مرسى رئيساً في يونيو/ حزيران 2012.
ظني أن الأداء السيئ لبعض السياسيين وتناقضاتهم في هذه الفترة الصعبة، ترك انطباعاً سيئاً لدى الرئيس السيسي عن عدد كبير من السياسيين.
تركيبة السيسي العسكرية تجعله يفضل التعامل مع شخصيات تكنوقراط، قادرة على الحسم والانضباط وتنفيذ الأوامر، وليس المواءمة والموازنة والجدل والنقاش والاختلاف. نفس الأمر ينطبق أيضاً على الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق المرشح المحتمل، أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى أقاله محمد مرسي، مع المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق في أغسطس/ آب 2012.
صحيح أن الذي أعلن عن ترشح عنان هو حزب « مصر العروبة الديمقراطي»، لكن يعلم الجميع أن الحزب بلا قواعد جماهيرية حقيقية حتى الآن، بل لقد فشلت في العثور على معلومات متكاملة ورسمية للحزب على شبكة المعلومات الدولية. وهناك من يشكك في قدرة الحزب على جمع 25 ألف توكيل، أو الحصول على تأييد عشرين نائباً في البرلمان. عنان لم يمارس السياسة بالمعنى المتعارف عليه، ولا أحد يعلم أفكاره وتوجهاته السياسية، شأن غالبية العسكريين في مصر، لأن السياسة ممنوعة داخل القوات المسلحة بحكم القانون.
المرشح المحتمل الآخر هو خالد علي المحامي الحقوقي المعروف، والذي نشط أساساً في مجال الحريات النقابية والقضايا العمالية، ورفع العديد من القضايا المطالبة بوقف بيع شركات القطاع العام.
هو ينتمي عموماً إلى تيار اليسار، ثم تفرغ للعمل الحقوقي في السنوات الأخيرة. قد يكون الأكثر وضوحاً في انتماءه لتيار اليسار بصورة واضحة. لكن لا توجد قوى جماهيرية كبيرة تسنده. صحيح أن حزب الدستور قرر تبنى ترشيحه، لكن الحزب أيضاً ما يزال أقرب إلى العمل النخبوي، بلا قواعد جماهيرية ملموسة.
وفى عام 2012 خاض خالد علي السباق الرئاسي، في فترة يراها البعض بأنها كانت غير مسبوقة في الحريات، بل "وربما تكون منفلتة" كما يراها البعض الآخر، ولم يحصل إلا على أقل من 135 ألف صوت فقط من بين أكثر من 23 مليون صوت، منهم 5.7 مليون صوت لمحمد مرسي، و5.5 مليون صوت لأحمد شفيق، و4.8 مليون صوت لحمدين صباحي في الجولة الأولى.
هناك أيضاً، محمد أنور عصمت السادات، المرشح الذي كان محتملاً وقرر الانسحاب من السباق قبل بدايته يوم الاثنين الماضي. وهو نائب سابق لأكثر من دورة برلمانية، ابن شقيق الرئيس الأسبق أنور السادات، ومؤسس حزب الإصلاح والتنمية، مارس السياسة إلى حد كبير مقارنة بغيره، كما شارك في العديد من المنظمات المحلية والدولية ورئيس لمنظمة غير حكومية.
ورغم أنه مؤسس حزب الإصلاح والتنمية، إلا أنه أيضاً حزب بلا قواعد انتخابية واسعة تؤهله لخوض انتخابات الرئاسة والمنافسة عليها. والمفارقة أن العديد من كوادر الحزب استقالوا عندما ادركوا أن رئيس حزبهم قد ينافس الرئيس السيسي.
وهناك أيضاً أحمد شفيق، قبل أن يقرر الانسحاب فجأة بعد عودته من الإمارات. علاقته بالسياسة لم تكن أصيلة، حيث كان عضواً في الحزب الوطني المنحل بحكم الوظيفة، ثم أسس حزب الجبهة الوطنية بعد الثورة. وقرر الانسحاب لأنه ربما اكتشف أن الواقع الذي كان يتخيله وهو يقيم بالإمارات تغير كلياً مقارنة بالواقع الذي تركه عقب خسارته للانتخابات قبل ست سنوات تقريباً.
مرة أخرى هناك لافتات حزبية كثيرة، لكن معظمها غير حقيقي، وغير فعال، وبالتالي فإن معظم الاستحقاقات الانتخابية التي تتم في مصر سواء كانت رئاسية أو نيابية تتمحور حول الأشخاص وليس الأفكار والبرامج.
من السبب في هذه الظاهرة الغريبة؟!
قولاً واحداً، فإن الأحزاب وأصحابها وقادتها وكوادرها يتحملون المسئولية الأساسية، لأن معظمهم يتعامل مع العملية السياسية وكأنها مغنم، أو معبر وطريق للثروة والنفوذ والمكانة في حين أنها تحتاج إلى أشخاص يؤمنون بالمبادئ والأفكار، ويقدمون تضحيات لإيصال حزبهم إلى السلطة وتطبيق برنامجه الانتخابي.
لكن وللموضوعية فإن الحكومات المختلفة منذ عصر حسني مبارك، تتحمل مسئولية كبيرة أيضاً، لأنها حاصرت الأحزاب المدنية، وأضعفتها وقسمتها، في حين تركت الأحزاب الدينية المتطرفة، تنمو وتترعرع تحت الأرض، وبالتالي تحصد ثلاثة أرباع مجلس الشعب نهاية عام 2011.
أحد نتائج هذه الظاهرة، أن البرامج الانتخابية تكاد تكون متشابهة أو مرتبكة مقارنة بالمنافسة على أساس حزبي.
أما استمرار هذه الظاهرة، فيعني غياب أي تراكم سياسي قد يقود إلى تطور العملية السياسية. وبالتالي تستمر الظاهرة في تكرار نفسها، وتستمر «الشخصانية» مسيطرة على المشهد السياسي، مقارنة بالمنافسة «البرامجية»، في البلدان التي قطعت أشواطاً في العملية الديمقراطية. وللأسف من الواضح أن هذا الأمر مرشح للاستمرار في المرحلة المقبلة.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.