علاء الأسواني: ..وقفة قبل المنحدر ..
١٨ أكتوبر ٢٠١٦استعرت هذا العنوان من كتاب للراحل الكبير علاء الديب، لأننى لم أجد أفضل منه لوصف حالة مصر الآن: ان أحوالنا تزداد سوءا كل يوم وتبدو بلادنا وكأنها تقترب من مصير مجهول، بينما يتصرف النظام الحاكم كأنه في عالم آخر، اذ يرجع كل المشكلات إلى مؤامرات كونية وانتشار جواسيس غامضين وما يسميه حروب الجيل الرابع.. إلى آخر هذه الخزعبلات التى يستعين بها النظام للتغطية على فشل سياساته التى أدت إلى تردى أوضاع المصريين لدرجة غير مسبوقة.. حانت لحظة الحقيقة والواجب أن نصارح هذا النظام بأسباب فشله:
أولا: فكرة الرئيس القائد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتصرف الرئيس السيسي وكأنه قائد جيش وليس رئيسا لدولة. في الجيش القائد يأمر والجنود يجب أن ينفذوا الأوامر والا تعرضوا للمحاكمة.. هكذا القواعد في الجيوش جميعا لكنها اذا طبقت في ادارة الدول تؤدي حتما إلى كوارث. لقد تم اختيار أعضاء البرلمان بواسطة أجهزة الأمن ليكون كل همهم تأييد الرئيس، كما ان المجلس الاستشاري الذى كوَّنه السيسي من كبار العلماء تحول إلى مجرد ديكور ولم يأخذ أحد بأبحاثه وتوصياته. اذا أراد السيسي أن يجتاز هذه المحنة لابد أن يلزم نفسه بآراء الخبراء ولا ينفرد بالقرار في مجالات ليس له فيها خبرة أو معرفة.
ثانيا: تأسيس جمهورية الخوف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ أن قام النظام الحالي بفض اعتصام رابعة في عملية وصفتها لجنة حكومية بانها "استعمال مسرف للقوة أدى إلى مقتل مئات المعتصمين "دارت ماكينة القمع الجبارة لتدهس كل من يعارض النظام، تم القاء 40 ألف مصري في المعتقلات وتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة واستعمل قانون التظاهر(غير الدستوري) لحبس الآلاف من شباب الثورة.
يعتقد النظام الحالي ان القمع يحقق الاستقرار لكن التاريخ يؤكد ان الاستقرار لا يتحقق الا بالعدل. لابد من الافراج عن المعتقلين والغاء قانون التظاهر أو تعديله ليوافق حقوق الانسان ولابد من البدء في اجراءات العدالة الانتقالية (المنصوص عليها في الدستور) حتى يتحقق القصاص لآلاف الضحايا من المصريين الذين سقطوا منذ ثورة يناير حتى الآن. هذه الطريقة الوحيدة لبناء اصطفاف وطنى يؤسس لنهضة حقيقية.
ثالثا: من يخفي الحقيقة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتمد النظام الحالي على الاعلام الموجه من أجهزة الأمن الذى يستهدف تعبئة الجماهير لتأييد القائد، حتى لو تحقق بذلك باخفاء الحقائق وترديد الاكاذيب والاشادة بانجازات وهمية مع الحاق الاهانات بكل من يعارض الرئيس واتهامه بالخيانة والعمالة. هذا النوع من الاعلام انقرض من العالم المتحضر منذ عقود وهو بالاضافة إلى سقوطه المهني والأخلاقي مآله دائما الفشل لأن الحقيقة دائما أقوى من كل محاولات اخفائها. لن تتحقق النهضة الا باتاحة حرية تعبير حقيقية والاستماع للآراء المعارضة واحترام أصحابها.
رابعا :المشروعات العملاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرئيس السيسي متحمس للغاية لاقامة مشروعات عملاقة، ولكن السؤال هل تمت دراسات جدوى بشكل كاف لهذه المشروعات أم انها ستكون مثل مشروع قناة السويس حيث تم اهدار مليارات الدولارات وسط الدعاية الجبارة والاحتفالات الصاخبة ثم اكتشف المصريون في النهاية ان ايرادات قناة السويس لم تزد دولارا واحدا بعد المشروع.
هل يمكن أن نبدد من جديد مليارات الدولارات على انشاء عاصمة جديدة بينما ملايين المصريين يحتاجون لأبسط قواعد الحياة الانسانية مثل الصرف الصحي والعلاج ومياه الشرب والمدارس. لابد من اعادة النظر في هذه المشروعات العملاقة واخضاعها لدراسة جدوى بواسطة خبراء متخصصين مستقلين تكون لهم سلطة تأجيل المشروعات أو الغائها بحيث توافق أولويات المصريين.
خامسا: من يتحمل الغلاء؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حديث تليفزيوني قبل توليه الرئاسة قال الرئيس السيسي إنه تلقى أكثر من 25 مليار دولار مساعدات من دول الخليج وبعد عامين فقط تسعى الحكومة للحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد. أليس من حقنا أن نسأل كيف أنفق الرئيس السيسي مساعدات الخليج؟
ان الاجراءات التى يطلبها صندوق النقد وتنفذها الحكومة، مثل رفع الدعم وضريبة الخدمة الموحدة وقانون الخدمة المدنية، تتسبب في زيادة معاناة الفقراء وحدهم أما الأغنياء فانهم يحظون بمعاملة خاصة من النظام، حيث تم تخفيض الضرائب عليهم ويتم التصالح مع كبار اللصوص مقابل رد جزء من المال المنهوب من الشعب.
الواجب الآن الاستعانة بخبراء اقتصاد - من غير المنافقين - ليوصوا بسياسات يكون الرئيس ملزما بتنفيذها حتى نجتاز الأزمة.
سادسا: هل تحاربون الفساد..؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخلو خطاب للسيسي من شعارات جميلة عن محاربة الفساد لكننا لا نرى أفعالا تدعم هذه الشعارات، فالصناديق الخاصة للوزارات والهيئات التى تضم مليارات الجنيهات بعيدا عن أى رقابة ظلت كما هي. ولو تم ضمها إلى ميزانية الدولة ستساعد في حل الأزمة والمستشار هشام جنينه رئيس جهاز المحاسبات الذى قام بواجبه في الرقابة على مؤسسات الدولة غضب عليه السيسي فأقاله ثم أقال ابنته من النيابة الادارية وتم القبض عليه وحجزه في القسم مع المجرمين ويواجه الآن حكما بالحبس لمدة عام.. لن تنهض مصر الا بالقضاء على الفساد وهذا لن يتحقق الا باعطاء السلطة الكاملة للأجهزة الرقابية على أجهزة الدولة جميعا بما فيها رئاسة الجمهورية والشرطة والجيش.
الخطوات السابقة ضرورية اذا أردنا أن نجتاز المحنة أما اذا استمر النظام في انكار فشله والاستهانة بغضب الناس والترويج الخائب لنظرية المؤامرة فسوف يدفع البلاد إلى منحدر خطير نتمنى جميعا ألا نقع فيه.
الديمقراطية هي الحل