1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: نظرية دياث التي تقتلنا

١٥ سبتمبر ٢٠٢٠

فى مقاله* لـ DW عربية يشرح علاء الأسواني "نظرية دياث التي تقتلنا".

https://p.dw.com/p/3iSmn
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

بورفيريو دياث

 (1830 –1915) PORFIRIO DIAZ

انه ديكتاتور حكم المكسيك في أواخر القرن التاسع عشر. عندما وصل إلى السلطة دعا الوزراء في حكومته ليشرح لهم الطريقة التي سيحكم بها المكسيك. توقع الوزراء أن يعد لهم دياث دراسات متخصصة في السياسة لكنهم عندما وصلوا إلى قاعة الاجتماعات وجدوا المفاجأة: كان الجنرال دياث جالسا وأمامه فوق المائدة إلى اليمين رغيف من الخبز وإلى اليسار شومة ضخمة.. ابتسم الجنرال دياث وقال لوزرائه:

- أيها السادة هكذا سنحكم المكسيك.. رغيف الخبز سيكون متوفرا لجميع أفراد الشعب وكل من يطلب أكثر من الخبز سوف نسحقه بالشومة

اشتهرت نظرية دياث باللغة الإسبانية بعنوان 

 "PAN O PALO "

  ومعناها بالعربية "الخبز أو الشومة"

نظرية دياث تقسم الناس إلى نوعين: الذين يطالبون بالخبز وهؤلاء ستوفر لهم الدولة الحياة الطيبة والنوع الثاني الذين يطالبون بالحرية وهؤلاء ستسحقهم الدولة بلا رحمة. تفترض نظرية دياث أن معظم الناس لو وفرت لهم الدولة فرصة جيدة في التعليم والعمل والرعاية الصحية سيتنازلون عن حقوقهم السياسية، وسوف يتعايشون مع الاستبداد ولن يهتموا اطلاقا عندما يرون الديكتاتور يعتقل آلاف المعارضين  ويعذبهم ويقتلهم.

نظرية دياث راجت بعض الوقت ولكنها بعد ذلك سقطت إلى الأبد لأن الشعوب التي جربت الديكتاتورية تعلمت أن الاختيار بين الخبز والشومة خدعة يجب رفضها من البداية، أولا لأن السلطة المطلقة مفسدة المطلقة والخبز الذي يتم توزيعه في البداية على الشعب كله سرعان ما ستستأثر به طبقة محظوظة مقربة من النظام بينما يظل الشعب غارقا في البؤس. وثانيا، لأنه في وجود الشومة لا أمان لأحد فأي شخص حتى لو تنازل عن حريته قد تسحقه شومة النظام لأي سبب عابر. وثالثا، حتى لو صدق الديكتاتور ووفر حياة مريحة للشعب وأقام مشروعات ناجحة فان حكم الفرد لابد أن ينتهي بكارثة يدفع ثمنها الشعب كله على مدى أجيال.

لقد تعلمت الشعوب بالتجربة أن كل نظام استبدادي يحمل في طياته كارثة مؤكدة ستحدث حتما ولو بعد حين. المؤسف أننا في مصر والعالم العربي لا زلنا ننفذ نظرية دياث في الحكم. باستثناء تونس، البلد الوحيد الذي بدأ ديمقراطية حقيقية، فان الأنظمة العربية جميعا تسحق كل من يعارضها وتسعى إلى تقديم الخبز للشعب وبالمقابل تسلب حريته. في دول الخليج التى حقق لها النفط ثروات خرافية تغدق الدولة على المواطنين من عائد النفط وبالمقابل لا مكان لنقد الحاكم، اذ يكفي أن يكتب المواطن مقالا واحدا ضد الحاكم حتى يقضي سنوات في السجن أو يتم اعدامه أو اغتياله..

لقد انتقلت نظرية دياث من الحاكم العربي إلى المواطن العربي الذي أصبح للأسف يتقبل تماما فكرة قمع النظام مادام يحدث للآخرين. لازال عرب كثيرون يحبون طغاة سفاحين مثل صدام وبشار والقذافي برغم أنهم ارتكبوا جرائم ضد الانسانية وعذبوا وقتلوا الآلاف من أبناء شعوبهم. كثيرون من العرب يقيمون الحاكم بمقدار ما يمنحهم من امتيازات فيحبونه ويهتفون باسمه ما داموا مستفيدين منه حتى لو قتل آلاف الأبرياء.. في مصر تم تطبيق نظرية دياث منذ ان استولى العسكريون على السلطة في عام 1952. لقد وفر عبد الناصر فرص التعليم والعلاج والعمل لملايين المصريين لكنه كان يسحق بالشومة الغليظة كل من يفكر قي معارضته. استمر كل حكام مصر في تطبيق نظرية دياث ولا زلنا نذكر كيف قال السيسي أكثر من مرة أمام مسؤولين غربيين: 

- لماذا تقصرون حقوق الانسان على حرية التعبير وتداول السلطة فقط. أليس الطعام والسكن والتعليم أيضا من حقوق الانسان؟

لا أظن السيسي قد قرأ تاريخ المكسيك لكنه برغم ذلك - بغريزة الاستبداد ـــ يتبنى نظرية دياث. بعد أن تم تطبيق نظرية دياث ما يقرب من 80 عاما تحول المصريون إلى كتلتين. المطالبون بالحرية وهم الأقل عددا لكنهم الأنبل والأشجع والأكثر وعيا في شعبنا. انهم الذين صنعوا ثورة يناير العظيمة وهم الآن إما صامتون تماما أو منفيون أو معتقلون أو شهداء. بالمقابل يوجد مصريون كثيرون على أتم استعداد للتنازل عن الحرية مقابل أكل العيش. هؤلاء يكتشفون الآن، يوما بعد يوم، أن تخليهم عن المطالبة بالحرية لم يمنحهم الخبز وانما بالعكس فقد انهالت على رؤوسهم شومة السيسي كما انهالت على الثوريين.

ملايين المصريين تم افقارهم بالغلاء والضرائب وتدهور قيمة الجنيه مقابل مرتباتهم الهزيلة. هؤلاء المحرومون من تعليم جيد ورعاية صحية وفرصة عمل وأبسط الحقوق الانسانية. هؤلاء الفقراء يبتزهم نظام السيسي الآن ويطلب منهم دفع مبالغ طائلة للتصالح على بيوتهم وشققهم وإذا عجزوا عن الدفع يطردهم النظام من مساكنهم ثم يتم هدمها أمام عيونهم وإذا اعترضوا على الظلم يتم القبض عليهم وتلفيق التهم لهم والقاؤهم في السجون.

هؤلاء البؤساء لم يكونوا قط من المطالبين بالحرية وهم للأسف لم يفهموا أن ثورة يناير قامت لتدافع عنهم فاسترابوا فيها وكرهوها. هؤلاء الفقراء يدركون الآن أن الثورة كانت فرصتهم الوحيدة للحصول على حقوقهم وأن تخليهم عن الثورة لم يجلب لهم الرخاء وانما ضاعف بؤسهم. انهم يتعلمون الآن بالتجربة أنه يستحيل أن تنعم بالأمن في وجود الشومة لأنها ستصيبك حتما غدا كما تصيب الآخرين اليوم. ان من يتنازل عن حريته وكرامته مقابل الخبز سرعان ما يخسر حريته وكرامته والخبز جميعا. لن يمنحنا أحد حقوقنا إذا لم ننتزعها بأنفسنا. 

الديمقراطية هي الحل

[email protected]

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.