عشر سنوات على اغتيال رابين: ما بقي في الذاكرة؟
يصادف اليوم الذكرى العاشرة لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يتسحاق رابين. ففي مساء الرابع من نوفمبر /تشرين ثاني 2005 أقدم المتطرف اليميني الإسرائيلي إيغال عمير على اطلاق ثلاث رصاصات قاتلة على صدر رئيس الوزراء الذي كان يشارك في حفل لدعم اتفاقيات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين. وقد أصيب المجتمع الاسرائيلي بالصدمة كون الحادثة تشكل نقلة نوعية في تفكير القوى المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي. فقتل يهودي ليهودي هو من أكبر المحرمات في العقيدة اليهودية، كما أن قتل شخص فقط لمجرد آرائه السياسية كان ومازال من المحظورات في المجتمع الإسرائيلي، فكيف اذا كان المغدور هو شخص من وزن رابين، رئيس حكومة ووزير دفاع سابق ورئيس أركان سابق وبطل وطني وحامل جائزة نوبل للسلام. وقد أصيب المجتمع الدولي آنذاك أيضا بالصدمة كون رابين كان بشخصه ووزنه وتاريخه الشخص الوحيد القادر على اتخاذ قرارت صعبة ومصيرية تتعلق بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل عن الفلسطينيين وبمجمل عملية السلام أيضا.
وقد كانت التنبؤات في مكانها، فمنذ حادثة الاغتيال لم يتطور الوضع في الضفة الغربية وغزة إلا للأسوأ. لو تنبأ أحد في عام 1993، العام الذي شهد فيه العالم المصافحة الشهيرة بين الراحلين عرفات ورابين في ساحة البيت الأبيض الأمريكي، لو تنبأ بأن الوضع سيسوء الى هذا الحد لدرجة أن الرئيس الفلسطيني سيحاصر في مكتبه ويمنع من الحركة لأكثر من ثلاث سنوات، لاتهمه الجميع بالهذيان.
تغيرات في المجتمع الإسرائيلي
" تغيرات كبيرة حدثت في المجتمع الإسرائيلي منذ اغتيال رابين، ولو كان رئيس الوزراء على قيد الحياة الآن، لكانت هناك بلا أدنى شك دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل اليوم"، هذا ما عبر عنه الكاتب والصحفي الفرنسي الإسرائيلي أمنون كابيليوك في حوار مع موقعنا حول مرور عشر سنوات على حادثة الاغتيال. واعترف كابيليوك بوجود بعض المشاكل والصعاب في عملية المفاوضات بين رابين وعرفات، ولكن كانت نية وقدرة الطرفين على ايجاد الحلول المرضية دائما قائمة. هذا الأمر تغير تماما بعد رحيل رابين على حد قوله، مضيفا بأن "مفاوضات السلام فشلت بعد رابين بسبب عدم قناعة اليمين الإسرائيلي وعلى رأسهم رئيسا الوزراء اللاحقين نتنياهو وشارون بمجمل اتفاقيات أسلو وبسبب مناورات رئيس الوزراء العمالي ايهود باراك في مفاوضات كامب ديفيد."
ظاهرة الاغتيال السياسي
رغم التهديدات المتوالية لرابين واتهامه من قبل المتدينين المتطرفين بالخيانة والتنازل عن "أراضي إسرائيل"، لم يكن يخطر ببال أحد أن حادثا مثل هذا ممكن في دولة يتم تداول الحكم فيها بالانتخابات الديمقراطية الحرة. رابين نفسه كان يشعر بجدية التهديدات، لكنه لم يتوقع أن يصل الأمر إلى حد القتل. ويتذكر الكاتب أمنون كابيليوك، الذي ألف عام 1997 كتابا بعنوان: "رابين ـ اغتيال سياسي" بأن عرفات أعرب لرابين في آخر لقاء بينها في عمان بأنه يخشى على حياته، داعيا إياه بأن يأخذ تهديدات اليمين الإسرائيلي المتطرف على محمل الجد، فأجاب رابين قائلا: "لا تقلق، الاغتيال السياسي موجود فقط عندكم، عند العرب. هناك فقط يستخدم المسدس للتعبير عن الرأي." وقد رفض رابين طلب عرفات ارتداء سترة واقية من الرصاص، على حد قول كابيليوك، الذي هون في الوقت ذاته من التهديدات التي وجهت لشارون بسبب انسحابه من غزه "لأن الجميع يعرف أن مستوطنات غزة كانت عبئا أمنيا كبيرا على إسرائيل، وأن شارون إنما انسحب من هناك لكي يحتفظ ويوسع مستوطنات الضفة الغربية." أما البريفسور يورام بيري، أستاذ العلوم السياسية والاجتماع في جامعة تل أبيب، فله رأي آخر في هذا السياق، فهو يعتقد: "في السابق كنا نعتقد أن الاغتيال السياسي شيء مرعب ومرفوض قلبا وقالبا. أما اليوم فيرى عدد من الإسرائيليين أن هذا الأمر ليس سيئا." وفي استطلاع للرأي أجراه البريفسور بيرى قبل اغتيال رابين حول مدى قابلية الإسرائيليين للمشاركة في احتجاجات وتظاهرات مناوئة للحكومة، أظهر حوالي 14 % استعدادهم لارتكاب أعمال مخالفة للقانون، وعند إجرائه لنفس الاستطلاع بعد عشر سنوات على حادثة الاغتيال، أجابت النسبة ذاتها بنفس الإجابة، وهذا إن دل على شئ، فإنما يدل على تحول خطير في عقلية اليمين المتطرف وخطره على عملية السلام.
رابين والذاكرة الفلسطينية
رابين كان وما زال من أكثر الشخصيات الحاضرة في الذاكرة الفلسطينية، فوزير الدفاع السابق في فترة الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1992) استخدم أقسى درجات العنف مع المنتفضين الفلسطينيين.جيدون ليفي، الكاتب الشهير تساءل في مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 06 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، تساءل بشأن مبالغة الإسرائيليين في تعظيم دور رابين في العملية السلمية، فقال:"نعم، كان رابين يريد السلام، ولكنه ككل الإسرائيليين لم يكن مستعدا لدفع ثمن السلام بالكامل. لم تكن لديه الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات حاسمة." أما على صعيد القيادة الفلسطينية، فان الانطباع السائد هو أن رابين كان شريكا حقيقيا للسلام. وحسب رأي أمنون كابيليوك، كانت ثقة رابين مع مرور الوقت بالقيادة الفلسطينية وبعرفات شخصيا كبيرة والعكس كذلك.
أما فيما يتعلق بمعنى وأهمية حادثة الاغتيال اليوم ومدى حضورها في الذاكرة الإسرائيلية، قال كابليوك: "الاسرائليون لم ينسوا رابين ولا عملية اغتياله، ولكنهم نسوا وصيته السياسية، هذه الوصية التي تمثلت في ضرورة مواصلة عملية السلام مع الفلسطينيين حتى نهاية المطاف." وعبر الكاتب الإسرائيلي عن أسفه لأن المجتمع الإسرائيلي والسلطة السياسية فيه يشغلان نفسيهما اليوم بقضايا ثانوية عند الحديث عن رابين وحادثة اغتياله، ولكنهم "نسوا أو تناسوا لماذا أغتيل رابين"، وهذا ما يجعله بعد أكثر من عشر سنوات على العملية أكثر تشاؤما تجاه عملية السلام والأشخاص القائمين عليها.
ناصر الشروف / دويتشه فيله