صدمات الحروب تلقي بظلالها على نفسية الأطفال طوال حياتهم
٢٧ يوليو ٢٠٠٧أيهما الأهون: الخوف أثناء قصف جوي والاضطرار للهرب من أجل البقاء على قيد الحياة أم أن تكبُر من دون أب؟ الأرجح أن كل هذه الأشياء سيئة بشكل متساوي بالنسبة للأطفال ويمكن أن تؤدي مثل تلك التجارب إلى تداعيات خطيرة يمكن أن تمتد لعشرة أعوام بعد ذلك. وقتها يعود الشعور بالخوف والحزن مجددا.
ولا يدرك الناس عادة أن تجارب طفولتهم في الحرب العالمية الثانية هي السبب. ويقول الإستاذ هارتموت رادبولد في كتابه "ظلال الماضي القاتمة" إن ربع الأطفال الألمان بعد الحرب نشأوا في ظل غياب آبائهم لفترات طويلة أو حتى بدون وجود الأب على الإطلاق. وأصبح ما يقرب من 250 ألف طفل في ألمانيا أيتاما بعد أن فقدوا كلا من الأب والأم في الحرب.
وصمة الحرب على نفسية الأطفال
وفي هذا الإطار قال رادبولد رئيس المعهد التعليمي لطب النفس البديل في مدينة كاسل الألمانية إنه كان من بين اللاجئين الألمان مليوني من الأطفال والشباب. وكتب رادبولد أن حوالي ثلث هؤلاء الأطفال والشباب مر بتجارب مدمرة أو صادمة وظل الكثير منهم يشعر بآثارها في وقت لاحق من حياتهم، إلا أنهم عادة لا يميلون إلى الحديث عن تجاربهم تلك.
وفي هذا السياق يقول البروفيسور إلمار بريهلر من قسم علم النفس العلاجي وعلم النفس الاجتماعي في جامعة لايبتزيغ "إن الألمان كانوا هم الأشرار في تلك الحرب وعندما يفكر الناس في دور البلاد في الحرب فأنهم يميلون إلى إلقاء اللوم على ألمانيا ولذلك فإن أولئك الذين شهدوا الحرب أطفالاً يحجمون عن سرد ذكرياتهم عنها".
وتقول كورين آدلر من عيادة الطب النفسي لكبار السن في مستشفى نورنبيرغ إن الكثير من كبار السن "عاشوا في ظل ذكريات مبهمة إلى حد كبير". ويرى رادبولد في كتابه أن تأثيرات زمن الحرب تظهر في الأشياء الصغيرة مثل عدم القذف بأي شيء بعيدا على الإطلاق.
أعراض نفسية مرضية
وظلت صور الحروب المروعة تطارد ذكريات الكثير من الألمان ممن عايشوا الحرب وهم في سن الطفولة طوال حياتهم. ويقول بريهلر إن بعض هذه الذكريات يظهر بشكل متدرج وتوضح أن الشخص لديه مشكلة أكبر. بينما تظهر بعض الذكريات بشكل مفاجئ. ومن جانبها تقول آدلر إنهم يشعرون بالعجز عندما يتذكرون هذه الأحداث المرعبة ولو زادت هذه المشاعر فإنها يمكن أن تؤدى إلى ردود فعل مرضية.
وأضافت آدلر أنه في بعض الأحيان تظهر صور ذهنية، و لكن بشكل عام فإن هذه الذكريات تخرج عادة على شكل مشاعر بالحزن أو الخوف أو الرعب. كما يمكن أن ينتج عن ذلك شعور بالصداع أو إحساس بالانقباض في منطقة الصدر.وترى الطبيبة الألمانية أن "الإحباط أو المشاكل الجسدية يمكن أن تكون وراء هذه الشكاوى." ولذلك فأنه من الصعب بمكان تحديد السبب الحقيقي لهذه المشاكل. أما رادبولد فأنه يحدد الخطوة الأولى للخروج من هذه المشاكل من خلال "القبول بأن الحزن الإكتئاب ليسا من أعراض التقدم في السن".
التحدث عن الماضي خطوة نحو العلاج
وينبغي على أولائك الذين يعانون من تلك المشاكل أن يفكروا مليا في التجارب التي مرت بهم. وحتى لو كان هناك الكثير من الأشياء السيئة فينصح هؤلاء بأن يتحدثوا مع شخص ما بشأنها. ومن بين هؤلاء الأشخاص أبناء الشخص نفسه. لكن هؤلاء الأشخاص يخشون غالبا من أن تستدعي أسئلة أبنائهم ذكرى المزيد من التجارب السيئة. وقال بريهلر "الحديث عن هذه التجارب بين أفراد العائلة قد يكون سببا للتحرر منها، ويمكن لكبار السن أن يقرروا بأنفسهم ما يرغبون في الحديث عنه". وتنصح آدلر الأبناء بالتحلي بالحرص في طرح الأسئلة حول تجارب الحرب عندما يلاحظون أن الوالدين يجدان صعوبة في سرد ذكرياتهم المتعلقة بالحرب.
وقد يكون البديل عن ذلك هو مقابلة طبيب نفسي، بينما يكمن الحل الثالث بحسب رادبولد في كتابة السيرة الذاتية. وأضاف الأستاذ الألماني: "وعندها يمكن للشخص أن يرتب أفكاره"، فهذا يساعدهم على تقبل تلك الصور المرعبة التي يحملونها في داخلهم كجزء من تاريخهم.