شباب تونس يدير ظهره للانتخابات
١٨ أغسطس ٢٠١٤سؤال محير يتداوله السياسيون في تونس حول أسباب عزوف الشباب عن التسجيل الانتخابي في الوقت الذي كانت فيه هذه الفئة العمرية، الأهم في التركيبة السكانية بتونس، تمثل وقود الثورة ضد النظام السابق. وبينما كان تنظيم انتخابات تعددية نزيهة وديمقراطية يمثل مجرد حلم بعيد المنال قبل الثورة، فإن هذا الحلم اليوم لم يعد يستهوي، على الأقل حتى هذه المرحلة، الشباب، لأن الثورة حسب رأيهم تم اختطافها وانحرفت عن أهدافها.
فقدان الثقة في الأحزاب
صبري الزغيدي أحد النشطاء بالاتحاد العام لطلبة تونس ذي الميول اليسارية قبل اندلاع الثورة وهو اليوم يعمل صحفيا بجريدة الشعب التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، تحدث لـDW عربية قائلا "الشباب التونسي فقد الثقة في الأحزاب السياسية التي وعدته بفض مشاكله المزمنة وخاصة ملف التشغيل الذي كان أحد الشعارات التي خرج من أجلها الشباب للشوارع وطرد بن علي من البلاد. كما كبر حقده على السلطة الحاكمة الجديدة بقيادة الائتلاف الحاكم (المستقيل) وأيضا على البرلمان الجديد الذي أظهر نوابه عدم مسؤولية في الوقت الذي يتقاضون فيه أجورا خيالية".
تختلف الأسباب التي تفسر عزوف الشباب عن التسجيل في الانتخابات، لكن صبري يعتبر العامل الأبرز في ذلك هو تنامي الشعور بالنقمة والضيم بسبب الواقع الذي أفرزته الثورة كالتعيينات والوظائف الممنوحة على أساس الولاءات السياسية والحزبية، والتعاطي الأمني العنيف مع التحركات الاجتماعية المطالبة بالتشغيل، إلى جانب تنامي ظاهرة الإرهاب والاغتيالات السياسية مقابل تراخي أجهزة الدولة في لجم المتشددين دينيا منذ البداية.
وظاهرة العزوف عن السياسة والتسجيل الانتخابي ليست جديدة في تونس، فحتى في أزهى فترات التفاؤل عقب الثورة وقبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 أوضحت إحصائيات لوزارة الشباب آنذاك أن 27 بالمئة فقط من الشباب يهتمون بالسياسية بينما لم يشارك في الاقتراع سوى 17 بالمئة منهم.
عزوف واسع في الجهات الفقيرة
وفي الواقع تزداد بشكل واضح نسبة العزوف لدى الشباب بالجهات الداخلية للبلاد التي تعاني الفقر والتهميش، وهي المناطق التي أشعلت الاحتجاجات خلال المراحل الأولى للثورة ضد حكم بن علي. ونسب البطالة في هذه الجهات، أساسا بمناطق الشمال الغربي والجنوب، يمكن أن تصل إلى أكثر من أربعين بالمئة مقابل 15 بالمئة على المستوى الوطني، بينما يمكن أن تبلغ نسب الفقر فيها نحو ثلاثين بالمئة.
يتحدث الشاب شريف الزيتوني، وهو ناشط بالمجتمع المدني بمدينة بن قردان بالجنوب والقريبة من الحدود الليبية، والتي يرتكز اقتصادها الهش أساسا على التجارة الموازية، قائلا لـDW عربية إنه في الجنوب عموما كان للشباب أمل بعد الثورة بأن تتحسن ظروفهم باعتبارهم هُمشوا تقريبا طوال الحقبتين السياسيتين قبل الثورة، لكن تلك الجهات بقيت تعاني من نفس مشاكل التهميش والبطالة، ويضيف: "تسبب ذلك في نوع من اليأس من الدولة واعتبروا أنفسهم غير معنيين بكل ما له علاقة بالسياسة وعزوفهم عن التسجيل في الانتخابات خير دليل على ذلك".
"إقصاء سياسي" للشباب
ولا تمثل الأوضاع الاقتصادية السبب الوحيد لعزوف الشباب عن التسجيل الانتخابي فكثير من ممثلي هذه الفئة يشعرون بـ"الإقصاء السياسي" بدءا بالمناصب القيادية في الدولة وحتى نسب التمثيل في المجالس النيابية.
ويشير عبد الرؤوف بالي رئيس جمعية الصحفيين الشبان لـDW عربية إلى أن العزوف عن التسجيل الانتخابي لا يعني تهربا من المسؤولية لدى الشباب، بقدر ما هو إقصاء ممنهج من الساسة أنفسهم، مشيرا على سبيل المثال إلى عدم إدراج الأحزاب السياسية لأي شاب على رأس القائمات الانتخابية في 2011 وهو ما يتوقع تكراره أيضا في انتخابات 2014.
ويشترط القانون الانتخابي أن تضم كل قائمة مترشحة أو مترشحا لا يتجاوز سنه 35 عاما إذا كانت مترشحة في دائرة عدد المقاعد فيها أربعة أو أكثر. وفي حال عدم احترام الشرط تحرم القائمة من نصف القيمة الجملية لمنحة التمويل العمومي.
ومع كل ذلك تسعى الهيئة العليا للانتخابات إلى استقطاب أكثر ما يمكن من الفئات الشبابية والطلابية للتسجيل الانتخابي عبر التمديد لفترة ثانية حتى يوم 26 من الشهر الجاري ونصب مكاتب متنقلة للتسجيل في الفضاءات القريبة من هذه الفئات ومن المواطنين عموما.
ويحذر صبري الزغيدي في تعليقه لـDW عربية من أن حدوث أي انتكاسة لدى مشاركة الشباب في الانتخابات من شأنها أن تعيده إلى الوضع الذي كان عليه قبل الثورة من اهتمام مبالغ فيه بمجالات أخرى مثل الرياضة والحياة الخاصة واعتناق قيم الفردانية والأنانية. ويضيف: "هذه الظاهرة خطيرة جدا وقد تساهم في عودة الاستبداد من باب آخر. وعلى السياسيين أن يفكروا عميقا فيها وإيجاد الحلول العاجلة لها".