دمشق تستعد للعام الدراسي الجديد على وقع الضربة الأمريكية
٨ سبتمبر ٢٠١٣إذا كانت الضرية الأمريكية المحتملة على سورية أعادت اصطفاف الكثير من السوريين من مؤيّد لنظام الرئيس بشار الأسد إلى معارضٍ له أو العكس، فإنها أيضاً تثير جدلاً واسعاً في البيت السوري بين مؤيد لفكرة الالتحاق بالمدرسة أو الجامعة مع بدء العام الدراسي، وبين معارض لذلك قلقاٍ على السلامة الشخصية.
"أنا خائفة جداً، لم أغادر المنزل حتى خلال العطلة الصيفية، أشعر أن الموت سيلحق بي أينما كنت!" تقول
ليان (16عاما) من دمشق والتي نجحت هذا العام إلى الثالث الثانوي، وتضيف لـ DW عربية "هذه السنة مهمّة جدّاً ومصيرية بالنسبة لمستقبلي، خلال العام الدراسي الماضي بقينا في ملجأ المدرسة عدّة ساعات لحدوث اشتباكات قريبة من المدرسة، شعرت حينها بخوف فظيع، وفي كثير من الأيام لم أستطع الوصول إلى المدرسة. لقد اشتقت لصديقاتي، إنّ المدرسة هي الشيء الوحيد الجميل والإيجابي في كل ما يحصل، ولكنني خائفة جدا من الضربة الأمريكية، فهي بالتأكيد ستكون فظيعة! وأرجو أن لا تتسبب في موت المزيد من الأبرياء."
في المقابل، يؤكد والد ليان، المهندس هاني (63 عاما): لـ DW عربية، أنه لن يرسل انبته إلى المدرسة إن قررت أمريكا ضرب سوريا. ويقول "لا أعلم ما الذي يمكن أن يحدث حينها، ستعم الفوضى البلاد بأكملها، لقد اضطرت المدرسة إلى إلغاء الدوام عدّة مرات العام الماضي، ويبدو أنّ هذا العام سيكون أكثر سوءاً، لذا فإنني لن أجازف بسلامتها أبداً. خسارتها لعام دراسي أفضل من خسارتها لحياتها، لا سمح الله! "
إلا أنّ لـ علا وهي طالبة في السنة الرابعة بكلية الاقتصاد والتجارة في جامعة دمشق، رأياً أخر، تقول علا لـ DW عربية "كنت آمل في الحصول على شهادة تخرّجي هذا العام، ولكنني رسبت في أحد المواد، وتأجل تخرجي بسبب ذلك إلى الفصل الأول من العام القادم، أنا لا أستطيع التركيز أثناء الدراسة، فأصوات القصف والانفجارات لا تتوقف، ولا أعتقد أن الضربة الأمريكية ستغيّر من الوضع شيئاً، ربما ستختلف حدّة الأصوات فقط! أنا مصممة على التخرج هذا الفصل، ناقشت الأمر مع خطيبي مطوّلاً، إنه غير موافق على قراري، فسلامتي هي الأهم بالنسبة له، ولكنني سأذهب للجامعة مهما كان الوضع سيئاً."
لا مبرر للانقطاع عن الدراسة
تتفق بشرى (59 عاما) وهي أم لشابيين وفتاتين مع علا، إذ لا انقطاع عن المدرسة مهما كانت الأسباب. وتقول "انتشرت شائعات قبل الآن مفادها أن الضربة الأمريكية كانت ستبدأ يوم الخميس 29 آب، كانت ابنتي وهي طالبة طب تحضر لامتحان ضمن الدورة التكميلية في نفس اليوم، قرر العديد من أصدقائها عدم الذهاب إلى الامتحان، وبدأت هي أيضا بالتفكير في الانضمام إليهم. لكني رفضتُ ذلك رفضاً قاطعاً، حاولت استعطافي، لا بسبب الخوف ولكن لأنها لم تحضّر جيداً للامتحان! أجبتها، إن هذا الموضوع غير قابل للنقاش أبداً! فذهبت إلى الامتحان ولم يحصل شيئ سوى أنها نحجت!! لن ندع العنف يتحكم في حياتنا أيّاً كان مصدره!"
إلا أنّ بعض الأهالي لا يتفقون مع بشرى، مثل آمال، طالبة من السويداء في السنة الثانية في كلية الاقتصاد والتجارة بجامعة دمشق، والتي قالت في حديثها مع DW عربية: "بعيداً عن موقفي الشخصي من الضربة الأمريكية، أنا مستاءة ومتضايقة جداً! في العام الماضي كنت مقيمة في جرمانا، وبسبب الوضع الأمني السيء هناك، إضافة إلى الوضع القلق للجامعة، رفض أهلي أن أبقى في دمشق لمتابعة دراستي في الجامعة وطلبوا مني العودة إلى المنزل، كنت أطلب من أصدقائي إرسال نسخ عن المحاضرات إلى السويداء حتى أستطيع التّقدم إلى الامتحانات، واجهت العديد من الصعوبات أثناء الدراسة، وأدّى ذلك إلى انخفاض معدّلي، كنت آمل أن أعود إلى حياتي الجامعية هذا العام، إلا أن ذلك يبدو مستحيلاً الآن بسبب الضربة العسكرية".
تعرّضت مدرسة التلميذ بدر (14عاما) في ببيلا بريف دمشق، لدمار كبير العام الماضي، وقُتل أستاذه وبعض رفاقة بالمدرسة خلال الاشتباكات. وقال لـ DW عربية: "حين سمعت بأمر الضربة الأمريكية فرحت للوهلة الأولى، لأن ذلك سيؤدي إلى تأجيل المدرسة، بس رجعت زعلت (لكن شعرت بالحزن) لأن جيلنا سيخسر عاماً دراسيّاً إضافيّاً. لقد قُتل بعض أصدقائي وأستاذي العام الماضي، وأنا خائف أن يتكرر ذلك بسبب الضربة الأمريكية، لكنني أرجو ان ينتهي كل شيئ معها".
تعودت على صوت القصف كصوت أمها
بدر ليس الوحيد الذي يتمنى تأجيل المدرسة، هناء (49 عاماً) وهي مديرة مدرسة إعدادية في دمشق، كانت تتمنى ذلك أيضاً، إلا أن وزارة التربية السورية أكّدت من خلال تعميم نُشر في الجرائد الحكوميّة أن بدء العام الدراسي سيكون في الخامس عشر من أيلول، ولا نيّة لتأجيله، تقول هناء لـ DW "أشعر بالعجز تجاه التعميم الذي وصلنا بتسليم مفاتيح المدرسة لعناصر من الأمن، أحمد الله أنهم لم يحولوا المدرسة إلى مركزٍ للأمن حتى الآن! ولكن من الممكن أن يقوموا بذلك في أيّة لحظة، سيكون ذلك مريعاً! هذه مدرسة، مركزٌ للعلم لا للقتال! والطلاب هم أمانة، كيف أستطيع ضمان حمايتهم بوجود مسلحين؟ ماذا إن استهدفت القوات الأمريكية المدرسة؟ أنا أشعر بقلق وعجز شديدين".
سميّة (37 عاماً) وهي أمينة السر (موظفة إدارية) في نفس المدرسة، تُعبّر عن رأيٍ معاكس تماماً بقولها "أؤيد هذا القرار تماماً، نحن في حالة حرب، وأمريكا والدول الغربية تتجه لتصعيد هذه الحرب، أولادنا ليسوا أغلى من رجال الأمن والجيش، فهؤلاء هم أبناؤنا أيضا وتقع على كاهلهم حماية الوطن، وإن كان في تغيير مراكزهم إلى المدارس حماية لهم، فليكن"!
أما سلام وهي أم لطفلة عمرها سنتان، تقول لـ DW إن ابنتها لين "لا تخاف من أصوات القصف والرصاص، فقد اعتادت عليها مثل اعتيادها على صوتي! أنا مضطرة لارسالها إلى روضة أطفال لأنني أعمل، ولا أعلم ماذا عليّ أن أفعل في حال صدر قرار الضربة الأمريكية! أنا قلقة وحائرة".
ربما لا تعد لين طالبة علمٍ في مدرسة حتى الآن، ولكنها دون شك تعلمت الكثير في مدرسة الحرب رغم صغر سنها!
وكان تقرير أصدرته اليونسيف صدر في شهر كانون الأول / ديسمبر من العام الماضي 2012 ، جاء فيه أن خمس المدارس في سوريا قد تعرضت لأضرار مادية مباشرة، أو أنها تستخدم كمراكز لإيواء العائلات النازحة. كما أشار التقييم إلى أن نسبة حضور الطلاب في حلب انخفضت إلى 6 % بينما انخفض معدّل حضور المعلمين في إدلب إلى 55 %. بدروها صرحت وزارة التعليم العالي السورية بأن حصيلة الأضرار التي لحقت بمؤسساتها (الجامعات والمعاهد) منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد بلغت حوالي 170 مليون ليرة سورية أي ما يعادل نحو 2.4 مليون دولار أمريكي، وفقا لما نشرته جريدة حكومية في 8 يناير/كانون الثاني الماضي.