خبير ألماني: اقتراح حرب بمنع بيع الأراضي مناورة سياسية
٤ يناير ٢٠١١قوبل مشروع القانون، الذي تقدم به وزير العمل اللبناني بطرس حرب، بحظر بيع الأراضي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان لفترة تصل إلى 15 عاما، بردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض. ولتسليط الضوء على دوافع حرب للتقدم بمثل هذا الاقتراح وتداعيات ذلك على التعايش السلمي بين مختلف الطوائف في بلاد الأرز أجرت دويتشه فيله حوارا مع هايكو فيمن، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط والمختص بالشؤون اللبنانية خاصة وأنه قد عاش فترة طويلة في بيروت.
دويتشه فيله: السيد هايكو فيمن، برأيك ما الهدف من وراء مشروع القانون الذي تقدم به وزير العمل اللبناني بطرس حرب إلى رئاسة مجلس الوزراء قبل أيام بمنع بيع الأراضي بين المسيحيين والمسلمين لفترة تمتد إلى 15 عاما؟
هايكو فيمن: أعتقد أن لهذا المشروع دوافع أخرى تختلف عن المُعلن عنها. من جهة، هناك منافسة كبيرة بين السياسيين المسحيين لإظهار من هو الأقوى في حماية المسيحيين وتواجدهم في لبنان من المسلمين. وهي منافسة موجودة داخل النخبة السياسية للطائفة الواحدة. ومن جهة أخرى، تداولت الصحافة اللبنانية تصريحات بطرس حرب، التي مفادها أن هناك "حملة شبه منظمة من قبل حزب الله تكمن في شراء أراضٍ في مناطق إستراتيجية" دون أن يحددها. ولكني أعتقد أن المقصود هي المناطق القريبة من الليطاني والبقاع الغربي. وهذا يعكس موقفا واضحا من بطرس حرب، وهو من المسيحيين المتحالفين مع قوى 14 آذار، تجاه حزب الله. ولكن تجدر الإشارة في هذا السياق أيضا إلى أن هناك إقبال متزايد من الخليجيين على شراء أراضٍ في منطقة جبل لبنان.
هل يعكس مشروع القانون هذا مخاوف من امتداد نفوذ حزب الله إلى خارج المناطق التقليدية في جنوب لبنان إلى مناطق أخرى تسكنها أغلبية مسيحية؟
لا، ليس مناطق تسكنها أغلبية مسيحية في لبنان. بل الحديث هنا عن مناطق كان فيها تواجد مسيحي مكثف أو أغلبية مسيحية وشهدت هجرة أعداد لا بأس بها من سكانها إبان الحرب الأهلية في لبنان. وتظهر المعطيات الديمغرافية والجغرافية الحالية أن أغلبية المسيحيين يعيشون في بعض المناطق في شرق بيروت وجبل لبنان، وهناك مناطق أخرى كان فيها وجود مسيحي من قبل ولكن الأمر تغير بفعل الهجرة وبقيت فقط أراضٍ يمكلها مسيحيون يعيشون خارج البلاد. ومن المعقول أن يبيع البعض منهم، أي من الذين لم يعودوا إلى وطنهم لبنان عقب انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، أراضيه إلى مشترين. وأعتقد هنا، أن الدافع لكلا الطرفين، أي البائع والمشتري، هو الربح المالي والمصلحة الشخصية قبل أن تكون هناك دوافع من نوع آخر. وربما تكون ظاهرة بيع الأراضي منتشرة أكثر لدى الطائفة المسيحية بحكم أن الهجرة المسيحية من لبنان أقوى من هجرة المسلمين.
أنت تحدثت في البداية عن أن حزب الله يشتري الأراضي في مناطق استراتيجية.....
هكذا يُقال! أنا ليست لدي معلومات دقيقة عن ذلك، وإنما هي تصريحات بطرس حرب. ولكني أنا سمعت بذلك من سياسيين آخرين أيضا وكذلك من الكنيسة، حيث تدور الأقاويل حول "حملة" محتملة من قبل حزب الله.
طيب، إذا صحت هذه الأقاويل أو هذه الإشاعات، برأيك ماهي أهداف حزب الله من وراء ذلك؟
إذا صحت الإشاعات والأقاويل، أنا، لا أعتقد أن لحزب الله أي مصلحة في تهجير المسيحيين من مناطقهم، ولكن ربما من بعض المناطق التي لها أهمية عسكرية وإستراتيجية بالنسبة له وذلك للحيلولة دون أن تطلع أي مصادر خارجية على تحركات الحزب داخل مواقعه ومناطقه. ولكنها مناطق محدودة. ولا أعتقد أن أحدا ما يحصل على وزن سياسي في لبنان من خلال شراء الأراضي.
بطرس حرب برّر مشروع القانون بأن الهدف من ورائه هو "الحفاظ على صيغة لبنان كبلد للحوار والتعايش السلمي بين المسيحية والإسلام" وكذلك "الحفاظ على وحدة البلاد التي تقوم على المحافظة على الإختلاط السكاني بين المسيحيين والمسلمين والتشبث بأراضيهم"، هل تشاطره الرأي؟
لا أبدا! مثلا إذا كنت أنا مسيحيا ولدي أرض مثلا في منطقة ما في بيروت ولا أريد العيش هناك لأسباب مختلفة، مثلا لانعدام أماكن العمل أو المدارس للأطفال أو غيرها من الأسباب وإذا جاء سياسي مثل بطرس حرب ويريد منعي من بيع ممتلكاتي وبالتالي إجباري على البقاء في منطقة معينة، فأرى ذلك أمرا سخيفا. ولو تمت المصادقة على مشروع قانون بطرس حرب – وأشك في ذلك – فأنا متأكد تماما أن الذي يريد بيع ممتلكاته سوف يجد طريقة مناسبة لبيعها أو شراء أخرى مثلما يريد. وهناك طرق مختلفة للالتفاف على مثل هذه القوانين.
لنعد إلى مشروع القانون، هل يمكن تفسير خطوة بطرس حرب بأنها محاولة من الطائفة المسيحية المارونية للحفاظ على تواجدها في لبنان، خاصة وأن هناك إحصائيات تتحدث عن تراجع عدد المسيحيين في بلاد الأرز مقابل ارتفاع عدد المسلمين فيها؟
لا، ليس صحيحا. ببساطة، حظر بيع الأراضي بين مختلف الطوائف لا يعني ارتفاع عدد الولادات ولا يحول دون رغبة أحد ما في الهجرة إلى الخارج. تراجع عدد المسيحيين في لبنان يعود بالدرجة الأولى إلى الهجرة لأسباب مختلفة. وأعتقد أنه هناك أيضا دافع ذا طابع ثقافي، وهو أن المسيحيين يعيشون على النمط الأوروبي وبالتالي فإن الولادات عندهم منخفضة مقارنة بالمسلمين، ذلك أنهم يرون أن ضمان مستوى عيش وتعليم جيدين، أمر أهم من أن يكون عددهم مرتفعا. ولكن بغض النظر عن هذه التطورات الديمغرافية، أرى أن تحرك بطرس حرب هو تحرك سياسي يلعب على وتر المخاوف من تراجع تواجد المسيحيين في لبنان. ولكنه في الوقت نفسه هو لم يقم بشيء حتى الآن لدعم التواجد المسيحي في البلاد.
أنت قلت في بداية هذا الحوار أنك تشك في تمرير مشروع قانون بطرس حرب. ولكن في حال تمت المصادقة على مثل هذا المشروع، ماهي تداعياته على التعايش بين الطوائف المختلفة في لبنان؟ هل من شأنه أن يدعم التفرقة بين الطوائف أم يدعم تعايش المسيحيين والمسلمين جنبا إلى جنب؟
لا أعتقد أن يكون لهذا القانون أي تأثير كبير، ذلك أن الفرز الطائفي قد تم خلال الحرب الأهلية في لبنان. وأرى أن حظر بيع الأراضي بين المسيحيين والمسلمين لن يغير شيئا من هذا الأمر. ولكني أرى أن المصادقة على مشروع هذا القانون أمر مستبعد، فمشروع القانون يجب أن يمر أولا على مجلس الوزراء، غير أن هذا الأخير معطل حاليا. ولو افترضنا أن مجلس الوزراء قد صادق عليه – الأمر المستبعد إذا أخذنا حزب الله وميشال عون بعين الاعتبار – ووصل إلى البرلمان، فإن رئيسه نبيه بري من شأنه أن يرفض وضع هذا المشروع على جدول أعمال البرلمان. وأنا متأكد أن بري سوف يبرر رفضه بأن مشروع القانون، الذي تقدم به بطرس حرب، يتنافى مع عدة مبادئ دستورية تكرس التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين.
بعض الأطراف في لبنان، وخاصة المسلمون، وصفت مشروع القانون الذي تقدم به بطرس حرب، بأنه يكرس "التفرقة والفرز الطائفي في البلاد"، فيما لاقى تأييدا من قبل الشق المسيحي الماروني...
لا، فقط المسيحيون الذين يشكلون جزءا من السلطة، أي من قوى 14 آذار، هم من أيدوا مشروع بطرس حرب.
ألا تعتقد أن بطرس حرب يدرك صعوبة، إن لم نقل استحالة تمرير مشروع هذا القانون في مجلس الوزراء أو حتى داخل البرلمان - مثلما قلت سابقا – فهل خطوته هي مجرد لعبة سياسية لا غير؟
هي مناورة سياسية لها عدة أهداف، أهمها استهداف ميشال عون، وهو سياسي مسيحي ماروني متحالف مع حزب الله. وإذا فسرنا مشروع القانون بأنه يهدف إلى منع حزب الله من شراء أراضٍ لمالكين مسيحيين، أي بكلمات أخرى ما يوحي إليه "بتهديد شيعي للوجود المسيحي" إنما هو موجه ضد ميشال عون. وبالتالي أعتقد أن بطرس حرب يريد توجيه رسالة إلى المسيحيين مفادها أن ميشال عون قد باعهم من خلال تحالفه مع حزب الله لإيران، يعني للإسلام. وفي الوقت ذاته إظهار نفسه بأنه كطرف في السلطة الحاكمة، حريص على حماية الطائفة المسيحية في البلاد. وأنا أتوقع أنه في حال تمرير مشروع القانون في مجلس الوزراء، فإن وزراء ميشال عون قد يصوتون إما ضده أو يمتنعون عن التصويت، الأمر الذي قد يستغله بطرس حرب ويحصل على دعم سياسيين مسيحيين لمشروعه، وبالتالي إظهار نفسه معهم كحماة للمسيحيين في لبنان.
أجرت الحوار شمس العياري
مراجعة: عارف جابو
هايكو فيمن، باحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط. أقام فترة طويلة في بيروت كصحفي وباحث في المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في العاصمة اللبنانية بيروت، ثم شغل منصب نائب مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول التابعة لحزب الخضر الألماني في منطقة الشرق الأوسط قبل أن يعود إلى برلين.