حصيلة ثقيلة.. ماذا نعرف عن الحرائق الكارثية في هاواي؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٣قضى 80 شخصا على الأقل في الحرائق التي تجتاح جزيرة ماوي في هاواي، وهي حصيلة ثقيلة أثارت انتقادات للسلطات بشأن طريقة تعاملها مع واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في التاريخ الحديث للأرخبيل الأميركي.
واندلعت الحرائق المدمرة في ماوي وجزيرة هاواي المجاورة الثلاثاء الماضي (8 أغسطس/ آب 2023)، حيث انتشرت بسرعة فيما أججت الرياح التي تصل سرعتها إلى 130 كيلومترا في الساعة النيران. وما زال السكان في حالة صدمة، وبدأوا لتوهم يدركون حجم الضرر في مدينة لاهاينا التي تحولت في غالبها إلى رماد.
وواصلت هاواي اليوم السبت (12 أغسطس/ آب 2023) إحصاء ضحايا الحرائق الكارثية التي حوّل أحدها مدينة تاريخية سياحية في جزيرة ماوي إلى رماد ويوشك أن يصبح أسوأ كارثة طبيعية في التاريخ الحديث للأرخبيل الأميركي.
سبب اندلاع الحريق ما زال مجهولا
كان جزء كبير من أرخبيل هاواي في حالة إنذار قصوى (اللون الأحمر) من خطر اندلاع حرائق عندما استعرت حرائق متعددة الثلاثاء الماضي، لكنّ سبب اشتعال هذه النيران لا يزال مجهولاً.
ومساء الأربعاء، قال الميجر-جنرال كينيث هارا، قائد القوات العسكرية في الأرخبيل الأميركي، إنّ السلطات "لم تتمكّن من تحديد سبب اندلاع الحرائق". وفتحت السلطات تحقيقاً لجلاء سبب اندلاع الحرائق وطريقة تعامل الإدارات المعنية مع هذه الكارثة.
وفي ما خصّ الحريق الذي أتى بالكامل تقريباً على مدينة لاهاينا التاريخية، فقد اندلعت النيران فجر الثلاثاء. وبحسب سلطات مقاطعة ماوي فقد "تمّ في الساعة 6:37 صباحًا" الإبلاغ عن اندلاع "حريق أحراج".
وسرعان ما أعلنت السلطات أنّ "الحريق تمّت السيطرة عليه بنسبة 100% بُعيد الساعة التاسعة صباحاً"، لكنّ النيران ما لبثت أن خرجت عن السيطرة عصراً واستعر الحريق مجدداً.
القفز في البحر هربا من النيران
وكانت هناك حرائق أخرى مندلعة في أمكنة أخرى في ماوي وقد انتشرت النيران بسرعة كبيرة.
وباغتت النيران العديد من سكان لاهاينا، ومن بين هؤلاء حوالى مئة شخص ألقوا أنفسهم في مياه البحر هرباً من ألسنة النيران، وفقاً لخفر السواحل.
أسفر حريق لاهاينا عن مقتل 80 شخصاً على الأقلّ، ليصبح بذلك إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية في أرخبيل هاواي منذ الستينيات. وهذه الحصيلة غير نهائية ومن المرجّح أن ترتفع أكثر.
ولم يستفق السكّان بعد من صدمة هول الكارثة وسرعة حصولها.
وقالت ساري كروز (28 عاماً) لوكالة فرانس برس "رأينا الدخان من بعيد. بحلول الوقت الذي دخلنا فيه إلى المنزل - دقيقة أو دقيقتان - كان الدخان الأسود قد بدأ يتسللّ إلى منزلنا".
وأضافت "لذلك كان علينا أن نسرع، أخذنا ما استطعنا، الأشياء الأكثر أهمية، وركضنا. ركبنا السيارة ورأينا ألسنة اللهب تلتهم منزل جارنا. كان منزلهم قد بدأ يحترق".
وتبدو العاصمة السابقة لمملكة هاواي وكأنّها حقل أنقاض متفحّمة: لقد دُمِّرت مدينة لاهاينا "بنسبة 80%"، وفقاً لحاكم الأرخبيل جوش غرين.
الأسئلة تتكاثر حول إدارة السلطات لهذه الأزمة.
وأكّد لشبكة "سي إن إن" المتحدّث باسم الوكالة المسؤولة عن إدارة الأزمات في هاوايأنّ صفّارات الإنذار التي كان من المفترض أن تنذر السكّان حال نشوب حريق لم تعمل.
اجتمعت على لاهاينا عوامل عدّة أجّجت ألسنة اللهب وساهمت في سرعة انتشار النيران، وفي مقدّمها سرعة الرياح التي كانت تهبّ على المدينة والتي تجاوزت 100 كلم/ساعة، وفقاً لهيئة الأرصاد الجوية الأميركية.
ونجمت هذه الرياح بشكل خاص عن "دورا"، وهو إعصار من الفئة الرابعة كان يعصف في مياه المحيط الهادئ على بُعد مئات الكيلومترات جنوباً.
كذلك فإنّ تضاريس ماوي، وهي جزيرة فيها بركانان وعدد من الجبال في وسطها وخط ساحلي مسطّح إلى حدّ ما، لعبت دوراً في سرعة انتشار النيران.
ويوضح توماس سميث، أستاذ الجغرافيا البيئية في كلية لندن للاقتصاد، أنّ العواصف الآتية من المحيط تحوّلت إلى "رياح انحدارية" اندفعت "من أعلى منحدرات الجزيرة نحو المدينة" الواقعة أسفلها على الخط الساحلي.
وعادة ما تكون هذه الرياح الانحدارية "جافّة وساخنة" ممّا يقلّل من رطوبة الغطاء النباتي ويجعل الحرائق "أكثر حدّة".
الجزيرة كانت على استعداد لأن تشتعل فيها النيران لسببين:
أولاً، بسبب سنة كان فيها معدّل الأمطار أقلّ من المعتاد، إذ إنّ الجزء الغربي من ماوي، حيث تقع لاهاينا، يعاني حالياً من جفاف "شديد" إلى "معتدل"، وفقاً لمرصد الجفاف الأميركي.
وثانياً، بسبب تراجع الزراعة في الجزيرة منذ التسعينيات، وفقاً لكلاي تراورنيخت، الاختصاصي في الحرائق في جامعة هاواي.
وقال الخبير في تغريدة إنّ الحقول المشذّبة التي كان بإمكانها أن تبطئ تقدّم النيران تمّ استبدالها بـ"مساحات شاسعة من نباتات غير محليّة تُركت تنمو على هواها".
إذا كان صعباً على العلماء أن يعزوا حدثاً معيّناً إلى ظاهرة التغيّر المناخي، فإنّهم يشيرون باستمرار إلى أنّ الاحتباس الحراري يزيد من تواتر الأحداث المناخية المتطرّفة.
وشهد العالم لتوّه شهر تمّوز/يوليو الأكثر حرّاً على الإطلاق.
ويقول يادفيندر مالهي، أستاذ علوم النظام البيئي في جامعة أوكسفورد، إنّ "تغيّر المناخ يتسبّب في كلّ مكان في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، (...) بحيث إنّ الحرائق التي كانت معتدلة قبل بضعة عقود تصبح اليوم أكثر حدّة".
ص.ش/أ.ح (أ ف ب، د ب أ)