تعهد "هيئة تحرير الشام" بحماية الأقليات بين القول والفعل
٦ ديسمبر ٢٠٢٤في ضوء الهجوم الحالي ضد قوات النظام السوري، تعهدت "هيئة تحرير الشام" الإسلامية السنية بعدم قمع الأقليات في المناطق التي تخضع لسيطرتها.
وخلال الأسبوع، استولت فصائل سورية مسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، التي تصنفها الولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كمنظمة إرهابية أجنبية، على مساحات شاسعة من القرى في شمال سوريا في محافظات حلب وإدلب وحماة. وكان النجاح الأكبر هو السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا وعاصمتها الاقتصادية.
تقول كريسي ستينكامب، الأستاذة المساعدة في التغيير الاجتماعي والسياسي في "جامعة أوكسفورد بروكس" بالمملكة المتحدة، لـ DW: "عند سيطرتهم على حلب، طمأنوا الأقليات على وجودهم. تريد هيئة تحرير الشام من ذلك تصوير نفسها على أنها ليست قمعية للأقليات والأديان الأخرى".
نتيجة للحرب الأهلية التي شهدتها سوريا منذ ما يقرب من 14 عاماً، والتي قُتل خلالها نصف مليون شخص وأدت إلى انقسام البلاد بشكل عميق، لا توجد إحصاءات دقيقة أو محدثة عن الأقليات العرقية والدينية في سوريا التي يبلغ عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة. ومع ذلك، فإن التقديرات التقريبية تشير إلى أن نسبة العرب السنة حوالي 70٪ من المسلمين، بينما يشكل العلويون حوالي 10٪، فضلاً عن الأقليات الكردية والمسيحية والدرزية في البلاد.
"هيئة تحرير الشام انفتحت على الأقليات في إدلب"
على مدى السنوات الخمس الماضية، سيطرت وأدارت "هيئة تحرير الشام" آخر معقل معارض رئيسي في سوريا في منطقة إدلب في شمال غرب البلاد حيث يعيش حوالي 4 ملايين سوري معظمهم من المهجرين والنازحين.
ويعلق جيروم دريفون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية الذي التقى بقادة "هيئة تحرير الشام"، لـ DW: "خلال تلك السنوات، انفتحت هيئة تحرير الشام على الأقليات الدينية. على سبيل المثال، التقى قادة هيئة تحرير الشام بممثلين عن المسيحيين بغية تناول مخاوفهم". ويوضح: "كانت القضية الرئيسية تتعلق باستيلاء عد من النازحين على منازل للمسيحيين [في منطقة إدلب]"، مضيفاً أن "هيئة تحرير الشام أعادت تلك المنازل والأراضي إلى أصحابها المسيحيين.
منذ عام 2018، تمكن المسيحيون في منطقة إدلب من الاحتفال بأعيادهم الدينية مثل عيد الفصح أو عيد الميلاد. وقال دريفون: "لقد تحسنت حقوقهم إلى حد كبير"، مسلطاً الضوء على معاملة مماثلة تلقتها الأقلية الدرزية في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً قبل إعلانها فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة).
الهدف: "إسقاط الأسد لا الجهاد خارج الحدود"
انطلقت "هيئة تحرير الشام"، الحليفة لتركيا، في نهاية عام 2011 تحت اسم "جبهة نصرة أهل الشام" بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا ومن ثم تحولها لنزاع مسلح. كانت الجبهة في بدايتها مرتبطة بتنظيم القاعدة، لكنها أعلنت فك ارتباطها بالتنظيم الإرهابي العالمي لاحقاً معلنة أنها لا تسعى للجهاد المعولم العابر للحدود.
ويعلق جيروم دريفون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية الذي التقى بقادة "هيئة تحرير الشام"، لـ DW: "إنهم يريدون الإطاحة بالنظام السوري وإقامة نظام جديد بدلاً منه". وأضاف: "ولهذا، أعربوا عن استعدادهم لإنشاء علاقات استراتيجية مع تركيا والعراق، وقبل أيام قليلة فقط، أصدروا بياناً يقولون فيه إنهم قد يقيمون علاقات مع الروس أيضاً".
روسيا، وكذلك إيران، من الحلفاء الرئيسيين للأسد بينما تعد تركيا من بين الداعمين للجماعات المتمردة المعارضة.
"ومع ذلك، لا يغير كل ما سبق ذكره حقيقة وجود العديد من الجهاديين في صفوفها [هيئة تحرير الشام]، وبالتالي يتعين علينا أن نتوقع أن تتصرف المنظمة كجماعة جهادية ترتكب أعمال عنف ضد الأقليات الدينية والعرقية"، هذا ما قاله محلل شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ لموقع "تاغسشاو" tagesschau.de في وقت سابق من هذا الأسبوع. وفي رأيه، قد يعني هذا "فترة من حكم الإرهاب للسكان، وخاصة في مناطق حلب التي يسكنها المسيحيون والأكراد".
سجل حقوقي سيئ
تشكك هبة زيادين، الباحثة البارزة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، في أن "هيئة تحرير الشام" يمكن أن تدخل التاريخ كمنظمة إسلامية متسامحة: "إن الخوف، الذي قد تشعر به الأقليات بما في ذلك الشيعة والأكراد والعلويين في الوقت الحالي، ينبع من سجلات حقوق الإنسان السيئة لكل من هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا الذي يشارك هيئة تحرير الشام في هجومها الحالي"، كما صرحت هبة زيادين لـ DW. وأضافت: "تشمل الانتهاكات السابقة لكلا المجموعتين سوء معاملة الأقليات الدينية والعرقية بما في ذلك العنف والتهجير القسري، فضلاً عن تدمير التراث الثقافي والديني".
لكن الأقليات والناشطين السياسيين أو المنشقين في سوريا ليسوا مهددين فقط في المناطق التي يحكمها المتمردون الإسلاميون. تعلق هبة زيادين: "في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإن أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم يعارضون النظام، بما في ذلك لأنهم ينحدرون من مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة في السابق أو اليوم، أو الذين ينتمون إلى طوائف مهمشة، بما في ذلك السنة والأكراد، معرضون لخطر الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والقمع المستمر"، معبرة عن آمال كبيرة بفجر جديد لحقوق الإنسان في سوريا.
وتختم: "تشكل الديناميكيات الطائفية بشكل كبير التجارب المعاشة للجماعات العرقية والدينية التي غالباً ما تقع في دائرة من الخوف والنزوح والقمع".
هيومن رايتس ووتش تناشد كافة أطراف النزاع
وأمس الأربعاء (الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 2024) أبدت منظمة هيومن رايتس ووتش مخاوفها من تعرّض المدنيين لانتهاكات جسيمة من قبل القوات الحكومية والفصائل المعارضة. وقالت المنظمة الحقوقية في بيان "يثير اندلاع الأعمال القتالية الكبرى في شمال سوريا.. مخاوف من أن يواجه المدنيون خطراً حقيقياً بالتعرض لانتهاكات جسيمة على يد الجماعات المسلحة المعارضة والحكومة السورية".
وحضت المنظمة الحقوقية "أطراف النزاع كافة على التزام واجباتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك توجيه الهجمات فقط ضد الأهداف العسكرية، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب سقوط ضحايا مدنيين، وضمان قدرة المدنيين على الفرار من القتال بأمان".
وقال نائب مدير منطقة الشرق الأوسط لدى المنظمة آدم كوغل "نظراً إلى سلوك الحكومة السورية طيلة حوالى 14 عاما من النزاع، تتزايد المخاوف من أنها قد تلجأ مجدداً إلى تكتيكات وحشية وغير قانونية، تسبّبت في أضرار مدمرة وطويلة الأمد للمدنيين". وأضاف "وعدت الجماعات المسلحة المعارضة بضبط النفس واحترام المعايير الإنسانية، لكن في المحصلة سيتم الحكم على أفعالها وليس أقوالها".
في بيان الجمعة، خاطب زعيم "هيئة تحرير الشام" المعروف بـ"الجولاني" سكان مدينة حلب قبل السيطرة عليها بالقول "نطمئن أهلنا هناك إنكم من الآن فصاعداً تحت حمايتنا". وتوجه الى المقاتلين في بيان الإثنين بالقول "شجاعتكم في المعركة لا تعني القسوة والظلم مع أهلنا المدنيين (...) وأحسنوا لأسرى العدو وجرحاهم وإياكم الإفراط في القتل".
أعده للعربية: خالد سلامة