تردي الوضع الإنساني في غزة بعد مرور عام على الانسحاب الاسرائيلي
١٢ سبتمبر ٢٠٠٦تصادف اليوم ذكرى مرور عام على الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة ، والذي أقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون. وقد أثارت هذه الخطوة موجة من الغضب في الأوساط اليهودية المتطرفة في إسرائيل وبين سكان المستوطنات التي تم إخلاؤها آنذاك. وهدف شارون من وراء الانسحاب إلى إخلاء مسؤولية إسرائيل القانونية المترتبة على الاحتلال وفقا للقوانين والاتفاقيات الدولية دون فقد السيطرة على القطاع، مما يفسر احتفاظ إسرائيل بالسيطرة العسكرية والاقتصادية عليه براً وبحراً وجواً. وبعد إخلاء المستوطنات آنذاك، انسحب الجيش الإسرائيلي من داخل القطاع إلى أطرافه، وتمركز عند المعابر المؤدية إليه. وخضع قطاع غزة بعد ذلك إلى إدارة السلطة الفلسطينية ولكن بسيادة غير كاملة، فالسلطة لا تستطيع وفقاً لخطة فك الارتباط استخدام الأجواء والموانئ، مما حول غزة الى سجن كبير.
وبعد عام على الانسحاب من غزة يجد رئيس الوزراء الحالي أيهود أولمرت نفسه وجهاً لوجه أمام ضغوطات كبيرة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. لا سيما وأن ساكني "القطاع الضيق" يعانون المزيد من العنف والفقر والتطرف بعد هذا الانسحاب. ورغم ان الانسحاب من القطاع لم يعني سوى تحويله إلى سجن كبير، فإن فوز حركة حماس في الانتخابات مطلع العام الحالي أوقعه في عزلة مطبقة. كما ان قطع المعونات الدولية المقدمة إلى السلطة الفلسطينية أدى إلى تدهور الوضع الإنساني هناك، مما دعا المنظمة الدولية والكثير من منظمات الإغاثة العاملة الى طرق ناقوس الخطر، في ظل الأزمة المالية الخانقة. فعدم توزيع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية لأشهر عدة أوقع الناس هناك في دوامة من الغضب واليأس، كما يرى المحلل السياسي بيتر فيليب.
زيادة تدهور الوضع الإنساني
الوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية اشتمل منذ وقت طويل، وقبل إنسحاب القوات الإسرائيلية، على مؤشرات عديدة تدل على انهياره. تبدأ هذه المؤشرات من ارتفاع معدلات البطالة آنذاك من 10 بالمائة إلى 40 بالمائة لتنتهي بارتفاع معدلات الفقر من 22 بالمائة إلى 68 بالمائة، كما تشير إحصائية تقدم بها ديفيد شرير مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. ولكن فوز حماس اتى ليزيد الطين بله. فبعد فوز حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة الجديدة أوقفت لولايات المتحدة مساعداته المباشرة إلى الفلسطينيين. وفي خطوة مماثلة جمد الاتحاد الأوروبي هو الآخر مساعداته للفلسطينيين والبالغة نحو 500 مليون يورو سنوياً. دعا تعليق المساعدات عن الفلسطينيين وترك أكثر من 160 ألف موظف بدون رواتب الكثير من الدول إلى التحذير ليس من أزمة إنسانية فحسب، بل وكذلك من مخاطر حرب أهلية إذا تُركت السلطة الفلسطينية تنهار بسبب الأزمة المالية. وأمام هذا كله تراجعت واشنطن والاتحاد الأوروبي عن قراريهما ورضخا، رغم موقفهما المتشدد من حماس، لمطالب باقي أعضاء اللجنة الرباعية، التي رأت إلى ان هناك حاجة للتوصل إلى اتفاق بشأن المساعدات الإنسانية من اجل دعم السلطة الفلسطينية.
آلية جديدة لتقديم المعونات
وفي بحثها عن آلية جديدة كلفت اللجنة الرباعية من أجل الشرق الأوسط والمكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي بإنشاء آلية "مؤقتة" لنقل المساعدة مباشرة إلى الفلسطينيين متخطية المرور بحكومة حماس، حسب ما جاء حينها في إعلان للأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان. وأعربت اللجنة الرباعية آنذاك عن رغبتها في إنشاء آلية دولية مؤقتة في إطار زمني وغائي معين وتعمل بكل شفافية ومسئولية وتؤمن مباشرة نقل أي نوع من المساعدات إلى الفلسطينيين. وربطت اللجنة بين احترام معايير هذه الآلية وبين بدء عملها في أقرب وقت ممكن. وكان من المقرر ان يعقد اجتماع للخبراء في اقرب وقت ممكن من اجل تحديد ثوابت هذه الآلية، ولكن...
اختطاف جلعاد شاليت
أتى اختطاف جلعاد شاليت ليجمد جميع هذه الخطط والوعود. فقد حول اختطاف احد الجنود الإسرائيليين من قبل احد الفصائل الفلسطينية المسلحة وإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، حول غزة، التي يسكنها قرابة 1.4 مليون فلسطيني، الى منطقة حرب محتلة من جديد. وفي عملية وصفتها إسرائيل بأنها تهدف إلى تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت تعرضت البنية التحتية في القطاع إلى إضرار جسيمة، مما زاد من تردي الأوضاع الإنسانية هناك. فقد تعرضت إمدادات الماء والكهرباء لإصابات مباشرة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. وفي ظل غياب الطاقة الكهربائية باتت المستشفيات الفلسطينية عاجزة عن تقديم المساعدة. وعبرت منظمة الأمم المتحدة إلى جانب الكثير من منظمات الإغاثة عن قلقها من الوضع الإنساني "الخطير" في قطاع غزة بعد تحولها إلى منطقة عسكرية. وعلق حينها موفد الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط دي سوتو على الوضع في غزة بالقول "قبل خطف جلعاد شاليت بقليل كان الوضع الإنساني خطيراً ولكنه شهد الان تدهورا كبيرا في كافة المجالات." كما شدد الكثير من عاملي الإغاثة هناك على خطورة تفشي الأمراض بسبب نقص المياه وتعطل أنظمة معالجة مياه المجاري.
من يتحمل مسؤولية ذلك؟
ومن جانبها تلقي منظمات الإغاثة الإنسانية باللوم على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وتعتبرهما السبب في الوصول إلى هذا الوضع الإنساني المتأزم الذي يعاني منها المدنيون. فإسرائيل تواجه انتقادات بسبب إقدامها على غلق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومن ثم منع وصول أية مساعدات إنسانية للفلسطينيين هناك. مما أدى إلى ازدياد معاناة فلسطينيي القطاع. أم على الجانب الآخر فإن هذه المنظمات تحمل الحكومة الفلسطينية الحالية التي تقودها حماس المسؤولية عن تردي الأوضاع بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي وإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية القريبة.