بعد القطيعة.. هل هناك أمل في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟
٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤قال رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان في عام 2012 "سنصلي قريباً مع إخواننا في دمشق"، في إشارة إلى الإطاحة الوشيكة بالرئيس السوري بشار الأسد. واعتبر بأنه "ليس له مستقبل في سوريا".
لقد دعمت أنقرة المعارضة السورية بقوة منذ بداية الحرب الأهلية. ومع ذلك، ظهرت مؤخراً إشارات على التقارب بين أنقرة ودمشق: من المقرر عقد لقاء بين رئيسي الدولتين، على الرغم من أن ذلك لم يتحقق بعد. وقال أردوغان في الصيف الماضي "باعتبارنا دولتين لهما شعوب مسلمة، نود أن نجتمع مرة أخرى في أقرب وقت ممكن".
دور حاسم لولاية ترامب الثانية
لقد أصبح الأمل في الصلح الآن أكثر واقعية، ولعل السبب الأبرز هو التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة. وفقا للخبراء، فإن سياسة الشرق الأوسط في مختلف البلدان سوف تتشكل من خلال العلاقات التجارية في السنوات المقبلة، وذلك بفضل دونالد ترامب.
وقال السياسي السوري عهد السكري، نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية في البرلمان السوري في مقابلة مع DW: "أردوغان يرى في عودة ترامب ميزة". أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فيعتبر أن "أردوغان يريد استغلال عودة ترامب لصالحه، حيث يقدم نفسه حاميا للمنطقة، ليحصل على مكاسب سياسية وعسكرية، ولكن قبل كل شيء اقتصادية".
تماشيا مع هذا التحليل، من المنتظر أن يعطي ترامب الأولوية للمصالح الاقتصادية في الشرق الأوسط، كما يوضح زاور جاسيموف، الخبير في العلاقات التركية الروسية في الجامعة التركية الألمانية في إسطنبول.
ويضيف المتحدث "إن أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة تتزايد على الصعيدين الجيوسياسي والجيواقتصادي"، مضيفًا: "يمكن الافتراض أن ترامب سيركز بشكل أكبر على العنصر الاقتصادي للوجود الأمريكي في المنطقة".
فترة يصعب التنبؤ بما تحمله من تغييرات!
هناك سيناريوهان متعارضان مطروحان على الطاولة في عهد ترامب بالنسبة لتركيا وسوريا، وهو ما يرجع جزئيا إلى عدم القدرة على التنبؤ بالتقارب أو تدهور العلاقات غير الجيدة منذ فترة بينها، ويشرح السكري ذلك بقوله: "التطبيع بين أنقرة ودمشق يعتمد على ديناميكيات العلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان. فإذا مارس ترامب ضغوطا على أنقرة، كما فعل في ولايته الأولى، فقد يؤدي ذلك إلى تحسين تركيا علاقاتها مع سوريا والحفاظ عليها. أما إذا حصل العكس، فقد تتبع تركيا مسارًا أكثر صرامة مما هي عليه اليوم".
بوتين له دور مهم أيضا
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التركية السورية، تلعب علاقة شخصية أخرى دورًا مهمًا، وهي العلاقة بين فلاديمير بوتين وأردوغان.
وقد عرض الكرملين سابقا التوسط في المحادثات بين دمشق وأنقرة، إذ تعتبر موسكو أهم حليف لسوريا، ويتمتع بوتين بعلاقات شخصية جيدة مع أردوغان. ويقول جاسيموف، موضحا المعاملات في هذه العلاقات الثنائية: "إن هذا التعاون عاطفي وديناميكي للغاية ومستقر وعملي وغير أيديولوجي وموجه نحو المستقبل".
ما مدى استعداد الأسد للصلح؟
يبدو الأسد مستعداً للصلح، وشرطه هو انسحاب الجنود الأتراك من شمال سوريا، لكن أنقرة لم تتخذ بعد أي خطوات في هذا الاتجاه. ومن خلال نشر جنود أتراك، تهدف أنقرة رسميًا إلى منع الوحدة الإقليمية للمناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية. حتى أن أردوغان أشار قبل بضعة أسابيع إلى أن أنقرة تخطط لتنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا.
إضافة إلى ذلك، فقد حاول ترامب سحبها في ولايته الأولى لكنه فشل بسبب مقاومة البنتاغون. وقال جاسيموف إن مثل هذه الخطوة ستكون ممكنة مرة أخرى في فترة ولايته الثانية، موضحا أن "وجود جنود أمريكيين في سوريا مكلف. ونظرًا لضعف إيران وروسيا "على الأرض" في سوريا، يمكن لترامب في الواقع سحب القوات ونقلها إلى قواعد عسكرية أخرى في المنطقة".
إذا حدث الانسحاب، فمن المرجح أن يكون جزءا من اتفاق جيوسياسي أكبر، كما يرى السكري: "مثل هذا القرار سيعتمد على الحرب في غزة ولبنان، وكذلك علاقات واشنطن مع طهران وموسكو".
وكان أردوغان قد قال في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إن تركيا مستعدة للانسحاب الأميركي، مضيفاً: "أمننا القومي يأتي أولاً. ونريد أيضاً التحدث مع روسيا حول هذا الموضوع".
منطق رابح رابح
في حين أن التقارب يعني نجاحاً كبيراً للأسد المعزول على المستوى الدولي، فإن أردوغان يحتاج إلى دعم جارته الجنوبية. هناك حوالي 3.4 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا اليوم. أردوغان يفقد قوته كل يوم، ويتزايد الاستياء في المجتمع تجاه اللاجئين السوريين.
وفي ظل وجود الأسد الصديق، فإن عودة هؤلاء الأشخاص إلى وطنهم ستكون أكثر واقعية في المستقبل مما هي عليه اليوم. ويشرح جاسيموف قائلا "لقد أصبحت سوريا مسرحاً للصراع العسكري في أزمة الشرق الأوسط الحالية.
وهذا يضعف كلاً من الاقتصاد السوري ومجال المناورة السياسي لحكومة الأسد. وإذا استمرت أزمة الشرق الأوسط ستكون هناك هجرة للاجئين من سوريا ولبنان إلى تركيا".
م.ب / غونغور