برلين تحيي وحدتها بالأنوار على مسار الجدار
٢٩ سبتمبر ٢٠١٤برلين ستقسم من جدي، لكن هذه المرة لمدة ثلاثة أيام فقط في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. ولن يفصل الجدار الأسمنتي المدينة، بل جدار من الضوء وبالونات بيضاء ، احتفالا بالذكرى السنوية لسقوط الجدار الذي قسّم برلين إلى شطرين خلال الحرب الباردة. ثمانية آلاف بالون ابيض ستعلق على امتداد الخط الذي كان يشكل الجدار العازل وسط المدينة. من شارع بورنهولمر شمال العاصمة مرورا بحديقة الجدار، ثم إلى ساحة بوتسدام وحتى جسر اوبيرباوم بين حييّ فريدريش هاين وكرويتسبيرغ. هذا الجدار الضوئي والقطعة الفنية سيمتد على طول 15 كيلومترا.
جاءت فكرة الحزام الضوئي الذي يفصل المدينة من الشقيقين المخرج مارك باودر وفنان الضوء كريستوفر باودر، اللذان بحثا عن طريقة لإظهار الأبعاد الحقيقية للجدار العازل. " أردنا إظهار الشق الذي كان في المدينة الذي خلفه الجدار حتى بعد سقوط جمهورية ألمانيا الديمقراطية". يقول كريستوفر.
جاء كريستوفر إلى برلين من جنوب ألمانيا عام 1994. ورغم مرور خمسة أعوام على سقوط الجدار فقد كان الفرق بين شقي المدينة ما زال واضحا جدا. وقد تغيرت معالم المدينة وآثار الفرق بين طرفيها الشرقي والغربي تدريجيا بمرور الأعوام. يقول كريستوفر"يلاحظ المرء ذلك عندما يزور أصدقاء له. حينها يتساءل البعض، أين كان الجدار؟ هل نحن الآن في برلين الغربية أم الشرقية؟ وغالبا لا يملك المرء إجابة حول هذا السؤال". وتحاول الذكرى السنوية لسقوط الجدار بين يومي السابع والتاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر استذكار بناءه وكل الأحداث المرتبطة به.
تنتظر المدينة أكثر من 100 ألف زائر خلال أيام الاحتفال بالذكري السنوية. ويشكل ذلك فرصة مهمة لقطاع السياحة، فقد بدأت بتقديم عروض مغرية للزبائن. فندق كيمنسكي بريستول الفخم مثلا ، يقدم ضمن عروضه فرصة لقيادة سيارة ترابانت الشهيرة التي كانت تنتج في ألمانيا الشرقية. وحسب الفندق، فان الإقبال كبير على هذا الغرض، خاصة من قبل سكان الجانب الغربي من ألمانيا.
فندق ادينا للشقق الواقع قرب نقطة تفتيش شارلي الشهيرة، سيقدم عرض "سقوط الجدار" بجانب بطاقة دخول لمتحف "جمهورية ألمانيا الديمقراطية"، بالإضافة إلى قائمة طعام اوستالاغي والتي تتضمن الطعام التقليدي لسكان جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وسيكون الطبق الأول في الوجبة الغذائية هو حساء سوليانغا، وهو حساء الخيار الحامض والحار، يعود أصله إلى الاتحاد السوفيتي السابق. أما الطبق الأساسي طبق كرات كونيكزبيرغ، وهو كرات اللحم المطبوخة بصلصة القَبّار. ولان الاسم كرات "كونيكزبيرغ" يعود إلى المدينة الألمانية الواقعة على بحر البلطيق والتي احتلها الاتحاد السوفيتي وضمها إلى أراضيه عام 1945، وغير أسمها إلى كالينينغراد، فقد أمر الحزب الشيوعي حينها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى تغيير اسم الطبق أيضا إلى الاسم الجديد للمدينة. لكن التسمية القديمة بقيت تتنقل على شفاه الناس بشكل تلقائي. أما الطبق الحلو فهو طبق "الكلب البارد"، ولا يذهب ظن القارئ بعيدا، فالطبق عبارة عن قطع بسكولاته تتخللها شوكلاته.
لن تقدم الوجبات فقط خلال الاحتفال، فعلى المسارح المفتوحة للعاصمة برلين تقدم عروض استبقت الاحتفال بمرور 25 عاما على سقوط الجدار. فمنذ عام 2010 تسمع أغنية "آه، متى أنت قادم؟" التي كانت من أهم الأغنيات في ثمانينات القرن المنصرم. بالإضافة إلى الأغاني الشهيرة في جنوب وغرب ألمانيا من ستينات وحتى ثمانينات القرن الناضي. كما تسمع أغاني المطرب النمساوي اودو لندنبيرغ وخاصة أغنيته الشهيرة التي غناها لحبيبته إحدى ناشطات رابطة شباب ألمانيا حينها.
الذكريات تملأ المدينة، وتاريخ الفصل بين شطريها خلق عددا كبيرا من المتاحف، بعضها بالهواء الطلق. ففي شارع بريناور مازالت بعض قطع الجدار منتصبة. وعلى طول كيلومترين تمتد بقايا الجدار ونقاط التفتيش، والأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة القديمة نفسها. وبالشارع ذاته سيبدأ الاحتفال يوم التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر بمرور 25 عاما على سقوط جدار برلين.
وفي ساحة كنيسة المصالحة قرب الجدار تقام صلاة الصبح، حيث يتجمع آلاف المدعوين من الناس والساسة وحتى المستشارة ميركل. وفي الظهيرة تفتتح المستشارة المركز الوثائقي الذي أعيد بناءه. والذي يوثق أحداث واكبت تقسيم المدينة والعالم، ثم سقوط الجدار ووحدة شطري ألمانيا. كما يقام برنامج خاص للأطفال يحضره عدد من شهود العيان الذين واكبوا الأحداث للإجابة عن أسئلتهم.
أيام الاحتفال بسقوط الجدار تعرض للمهتمين قصصا حول ألمانيا وتاريخها والحروب التي خاضتها. كما تقدم صورا وأفلاما حول احتفالات التاسع من نوفمبر عام 1989 يوم سقوط الجدار. ولسحر لحظة السقوط استعد الشقيقان باودر لملأ المدينة بالبالونات البيضاء والأضواء. ففي تمام الساعة السابعة مساء تُطلق البالونات في سماء المدينة.