اللغة الألمانية في مصر- حضور كبير ورسالة تواصل ثقافي
١٨ ديسمبر ٢٠٠٦يلعب الاقتصاد دورا كبيرا في انتعاش اللغة والأدب والحضارة ونشر الآداب والثقافات. فالإمكانيات المادية تأتي على رأس الوسائل الموصلة إلى ذلك، حيث تلتقي القوتان المادية والفكرية مما يسمح بإطلاق عجلة هذا المد اللغوي والثقافي. وتقدم ألمانيا أنموذجا يحاكي في هذا التزاوج، حيث خصصت جزءا من مواردها الاقتصادية لدعم سبل نشر لغتها وثقافتها، لتغدو أسماء شخصيات ألمانية في مختلف المجالات أعلاما يتردد صداها في المحافل العالمية الكبرى.
ولم تقتصر حركة التصدير الألمانية على السيارات والمعدات الثقيلة والخفيفة فحسب، بل حرصت ألمانيا في العقود الأخيرة كل الحرص على أن يلمس العالم الجانب الآخر من الإبداع الألماني، فأنشأت معهد جوته لتعليم اللغة الألمانية لنشر آدابها وثقافتها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل راحت توطد من علاقاتها مع دول العالم الثالث، فأنشأت فيها فروعاً للهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، التي تعنى بتخصيص منح مادية للباحثين في مختلف التخصصات العلمية، بالإضافة إلى علوم اللغة الألمانية وآدابها. وبهذا تكتسب ألمانيا أصدقاء في شتى المجالات؛ زاروا جامعاتها، وتعلموا لغتها، وخبروا ثقافتها عن قرب.
بدايات قديمة لحضور اللغة الألمانية في مصر
تعتبر مصر من الدول التي تربطها مع ألمانيا علاقات ثقافية وطيدة، قامت على اتفاقيات بين البلدين للتبادل العلمي والثقافي. كما تعد مصر أول دولة عربية أنشأت قسماً للغة الألمانية، وذلك في مدرسة الألسن التي كان قد أسسها رفاعة الطهطاوي سنة 1835. وجدير بالذكر أن حضور اللغة الألمانية في مصر أفضل منه في دول عربية أخرى، من حيث الإقبال والاهتمام. فهناك عدة جامعات مصرية بها أقسام للغة الألمانية، فعلى سبيل المثال، جامعة عين شمس وحدها بها قسمان لتدريس اللغة الألمانية وآدابها، هذا إلى جانب جامعة الأزهر وجامعة القاهرة وجامعة حلوان. هذا الحضور هو مؤشر قوي على درجة التعاون بين الجامعات المصرية والهيئة الألمانية للتبادل العلمي التي تولي هذه البرامج الأكاديمية دعما ورعاية كبيرة.
ومن المعاهد التعليمية الأخرى التي توفر فرص تعلم اللغة الألمانية معهد جوته بفرعيه في القاهرة والإسكندرية، حيث يفسح المجال لتعلم اللغة الألمانية أمام كل راغب في تعلم الألمانية. وعلاوة على ذلك توفر بعض المراكز الأخرى لتعليم اللغات الإمكانيات لتعلم الألمانية. كما تدرس اللغة الألمانية في المدارس الحكومية المصرية كلغة ثانية بجانب الفرنسية بعد اللغة الإنجليزية. ومن المؤسسات التي تهدف إلى نشر اللغة الألمانية وآدابها عن طريق الدراسة والبحث "جمعية اللغة الألمانية" التي تم افتتاح فرع لها في القاهرة عام 2004 والتي مقرها الأصلي في فيسبادن بألمانيا.
تجربة الأزهر في تدريس اللغة الألمانية
وحول طبيعة الإقبال على اللغة الألمانية في مصر بين الطلبة والدارسين يقول الأستاذ الدكتور محمد أحمد منصور رئيس قسم اللغة الألمانية بجامعة الأزهر، في حوار مع موقعنا: "إن الإقبال على اللغة الألمانية في تزايد. والقاهرة هي مركز دراسة اللغة الألمانية في مصر وأما الأقاليم فإن بها قسما في المنيا وآخر في المنوفية، هذا إلى جانب بعض المؤسسات الخاصة." كما أشار الدكتور منصور إلى دراسة الألمانية في الأزهر قائلا: "تتميز دراسة اللغة الألمانية عندنا بأن الأزهر به إلى جانب قسم اللغة الألمانية وعلومها وآدابها قسم خاص يعنى بدراسة العلوم الإسلامية باللغة الألمانية؛ وذلك مساهمة من الأزهر في مد جسر الحوار الديني البناء مع الغرب. واللغة الألمانية من حيث الإقبال تأتي عندنا في مقدمة اللغات الأجنبية، حتى قبل الإنجليزية والفرنسية." وعن عدد الطلبة الذين يتقدمون لدراسة اللغة الألمانية في الأزهر أوضح الدكتور منصور بأنه ما يقرب من 500 طالب من أوائل خريجي الثانوية الأزهرية يتقدمون للحصول على مقاعد دراسية في هذا التخصص، حيث يتم قبول 150 طالباً على أساس مجموعهم في الثانوية.
سر الإقبال على اللغة الألمانية في مصر
ثمة أسباب عديدة تدفع بالشباب إلى التوجه نحو تعلم اللغة الألمانية ومن بينها كما يرى الدكتور منصور، مركز ألمانيا الاقتصادي، ورواج الصناعات الألمانية، وكثرة السياح الألمان في مصر. ومنها كذلك الاستشراف الألماني وإسهاماته في الدراسات الإسلامية. ويقول الدكتور منصور: "إن ألمانيا لم يكن لها دور استعماري في البلاد العربية كغيرها من البلاد الأوربية في القرن الماضي، وهذا يجعلها أكثر قبولاً لدى العقلية العربية." كما يرى الدكتور منصور بأن "كثرة الذين يعرفون الإنجليزية" قد تدفع نحو هذا التوجه. وأضاف الدكتور منصور أن "كرة القدم واسم ألمانيا في عالم الرياضة" قد يساهمان في تشجيع الإقبال على اللغة الألمانية. وبدا الدكتور منصور متفائلا بشأن ديمومة الإقبال على اللغة الألمانية طيلة العقدين القادمين. وفي سياق متصل وفي استطلاع للرأي قام به موقعنا مع عدد من الذين يتعلمون اللغة الألمانية في معهد جوته بالإسكندرية تبين أن جل المستطلعين من الطلبة والخريجين يطمحون إلى تكملة دراستهم في جامعات ألمانيا في مختلف التخصصات.
دور ألماني متميز
وعن طبيعة الدور الألماني في دعم تعليم اللغة الألمانية في مصر يرى الدكتور منصور بأن ألمانيا قد ساهمت بقوة في دعم ذلك من خلال "إرسال أساتذة ألمان في اللغة والأدب إلى أقسام اللغة الألمانية في الجامعات المصرية، كما كانت سخية في تقديم المنح الدراسية للطلاب عن طريق الهيئة الألمانية للتبادل العلمي DAAD، إلا أن هذا الدور بدأ للأسف يتأثر بسياسة التقشف التي اتخذتها ألمانيا في السنوات الأخيرة وكذلك بسبب تحول أنظارها نحو الصين ودول شرق آسيا عموماً." وفي الوقت ذاته أكد الدكتور منصور ضرورة توفير الكتب التعليمية المتخصصة في تعليم اللغة الألمانية وتوصيلها إلى الطلاب مدعومة من قبل ألمانيا.