الفخفاخ.. هل يفكّك الهدية-الفخ وينقذ تونس من انتخابات مبكرة؟
٢١ يناير ٢٠٢٠دون مقدمات، وفي الصباح الموالي ليلة تعيينه، يبدأ رئيس الحكومة المكلف في تونس، إلياس الفخفاخ، المفاوضات الماراثونية لتشكيل حكومة جديدة، وتحقيق ما عجز عنه سلفه الحبيب الجملي، مرشح حركة النهضة، وبالتالي إبعاد شبح حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهو السيناريو الذي يتخوف منه الرئيس قيس سعيّد وبعض الأحزاب السياسية التي قد تتأثر سلباً بإعادة الانتخابات.
ويملك الفخفاخ سيرة ذاتية قوية في المجال الاقتصادي، لكنه لا يملك ماضياَ سياسياً كبيراً قبل سقوط نظام زين العابدين بن علي، فضلاً عن أنه ينتمي إلى حزب صغير هو "التكتل" الذي لم يحقق سوى 0,26 % من الأصوات في الانتخابات التشريعية، ولم يحصل بالتالي على أيّ مقعد في البرلمان. كل هذا يجعل اختيار الفخفاخ لرئاسة الحكومة، خارج دائرة الأحزاب الكبرى، أمراً مثيراً للجدل، وغريباً على التقاليد الديمقراطية في بلدِ يحمل مشعل قيادة الربيع العربي.
من يكون؟
ليس إلياس الفخفاخ بعمر يوسف الشاهد حين تبوّأ هذا الأخير منصب رئيس الحكومة وهو في سن الـ41، لكن يبقى الفخفاخ الذي لم يطفئ بعد شمعته الـ48، واحداً من القيادات الشابة في تونس. دخل الفخفاخ مجال السياسة من بوابة المال والأعمال، فهو لم يكن معروفا في ميدان السياسة عام 2011، عندما عُيّن وزيراً للسياحة وبعد ذلك بعام تولى حقيبة المالية.
بعد مسارٍ دراسي في فرنسا في مجال الهندسة الميكانيكية وإدارة الأعمال، بدأ الفخفاخ مسيرته المهنية في المجموعة البترولية الفرنسية "طوطال"، ليعين مديرا للعمليات في أحد مصانعها ببولندا عام 2004، ثم عاد إلى بلاده عام 2006، حيث تولى الإدارة العامة لشركة صناعية تونسية خاصة بقطع الغيار، مساهما في تحويلها من شركة محلية إلى أخرى دولية عبر افتتاحها لعدة فروع في آسيا وأوروبا.
واقترن دخول الفخفاخ عالم الأحزاب بالثورة التونسية، عندما دخل الحكومة عام 2011 من بوابة حزب التكتل الاجتماعي الديمقراطي. غير أن تجربته الحكومة لم تكن وردية كثيراً، ففضلاً عن الصعوبات السياسية التي عانت منها تونس بعد الثورة، والتي تسببت بسقوط أكثر من عشر حكومات، فإن مقامه في وزارة السياحة تصادف مع أسوأ فترة عاشتها تونس في المجال السياحي، عندما تراجع بشكل واسع عدد السياح الوافدين على البلاد، وهو ما أرخى بظلاله على الوضع المالي لبلد يعتمد في اقتصاده على قطاع الخدمات، وصعّب من عمل الفخفاخ في وزارة المالية، لكنه بقي صامدا على رأسها إلى حين تعيين حكومة مهدي جمعة.
ولأكثر من ست سنوات، بقي الفخفاخ خارج المدار السياسي في تونس، بل إن النسبة الضئيلة التي حصل عليها، عندما دخل صراع الانتخابات الرئاسية (أصوات 11 ألف ناخب من 3.4 مليون ناخب)، تؤكد أن لا شعبية سياسية له، وأن تعيينه على رأس الحكومة لم يتطابق مع الخارطة السياسية بقدر ما هو اختيار من الرئيس سعيّد على شخصية توافقية.
"يمكن أن تساعده سيرته في مسؤوليته الجديدة، فقد مرّ من تجربة الدولة وله خبرة في المجال الاقتصادي" يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـDW عربية. ويضيف الجورشي أن تونس تعيش حالياً أزمة اقتصادية كبرى، وتحتاج لرئيس حكومة يتجاوز بالبلاد هذه الوضعية الصعبة، خاصةً أن الفخفاخ يملك علاقات مع عدة دول بحكم عمله المهني، وهو ما سيسهل عليه التحاور مع القوى الدولية في حال نجح في تشكيل الحكومة.
بيدَ أن الفخفاخ ليس الشخصية الأكثر كفاءة بين كل الأسماء التي كانت مقترحة للمنصب، إذ يشير الجورشي إلى أن هناك شخصيات كثيرة تتفوق على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهو ما سيشكل تحدياً له في المفاوضات، إلى جانب قدومه من حزب لا يملك قاعدة جماهيرية.
المهمة الصعبة
يُدرك الفخفاخ أنه توّصل بالهدية-الفخ التي إما أن تحيي مساره السياسي أو قد تدخله إلى خانة رؤساء حكومات فشلوا في نيل ثقة البرلمان. وتبيّن ردود أفعال الأحزاب الرئيسية صعوبة مهمة الفخفاخ، فبين مرحب ورافض ومتحفظ، ستكون مهلة الشهر فترة مفصلية في الحياة السياسية لرئيس الحكومة الجديد، وكذلك لرئيس البلاد.
وفي هذا السياق، أعلن كل من حزب التيار الديمقراطي، الثالث في البرلمان التونسي، وحركة تحيا تونس، السادسة، عن مواقف واضحة تساند إلياس الفخفاخ في مهمته بتشكيل الحكومة. الأمر الذي يتطابق مع اقتراحات الحزبين لرئيس البلاد، عندما قدما اسم الفخفاخ لرئاسة الحكومة. في المقابل اتخذت حركة النهضة موقفاَ وسطاَ، بتأكيدها أن لا اعتراض لها على الفخفاخ، ومن المتوقع أن تؤكد النهضة لاحقاً وقوفها إلى جانبه، فعلاقة طيبة تجمع الطرفين منذ فترتهما في عهد حكومة الترويكا.
وكانت قيادات من ائتلاف الكرامة (الرابع) والحزب الدستوري الحر (الخامس) واضحة في رفض تعيين الفخفاخ، فإن كان الأول ينطلق من مواقفه "الثورية" ومن انحيازه لروح الدستور، فإن الثاني بنى موقفه على أساس إيديولوجي، مكرراً اتهامات للفخفاخ من أنه إسلامي يتوافق مع مواقف حركة النهضة. فيما لم يصدر حزب قلب تونس، الثاني على اللائحة، موقفه الرسمي بعد.
بين الفشل والنجاح
أكبر ميزة للفخفاخ أنه ليس رجلاً إيديولوجيا، وهو ما سيجعله مقبولا لدى جزء كبير من الطبقة السياسية حسب تعبير الجورشي: "هو ليبرالي نسبياً، أو ما يسمى بالليبرالية الاجتماعية، فضلاً عن أنه منتسب لحزب عضو في الاشتراكية الدولية، كما أنه يتقاطع مع رئيس الجمهورية في عدة قضايا".
كما أن هناك عاملا آخر لصالح الفخفاخ إذ أن هناك تخوّف لدى الكثير من نواب البرلمان، من أن رفض منح الثقة لحكومته سيؤدي إلى انتخابات جديدة من شأنها تهديد مقاعدهم في البرلمان. وعلى هذا الأساس من المتوقع أن ينجح الفخفاخ في تمرير حكومة لم تتضح بعد معالمها، وهل ستتكوّن من الأحزاب أم ستكون تكنوقراطية كما حاول سلفه الحبيب الجملي في محاولته الأخيرة لتشكيل الحكومة.
لكن التحدي الأكبر الذي ينتظر الفخفاخ هو ما بعد التصويت، إذ يشير الجورشي إلى أن أطرافاً حزبية قد تعمل على إضعاف الحكومة المشكّلة. وهذا التوجه، حسب الخبير، ستظهر الكثير من معالمه في طبيعة تدبير العلاقة القادمة بين الفخفاخ والأحزاب.