الربيع العربي وتأثيره على الهجرة نحو أوروبا
١٢ يناير ٢٠١٢بعد عام واحد على اندلاع الشرارة الأولى للثورات العربية، وما خلفته من أوضاع سياسية متذبذبة بين توثر واستقرار نسبي. يُطرح السؤال حول مدى تأثير الوضع السياسي على مسألة الهجرة نحو الشمال. وحسب آخر الإحصائيات الألمانية في هذا المجال فإن عدد القادمين إلى ألمانيا من تونس ومصر وليبيا لم يتجاوز 800 شخص.
بخلاف السوريين الذين تقدموا بحوالي 2500 طلب لجوء سياسي، أي بزيادة 1000 طلب عن السنة الماضية. ويفسر يوسف الهلالي الصحفي والباحث المغربي هذا الأمر:" المغاربيون بشكل عام لا يهتمون بألمانيا كوجهة للهجرة بالدرجة الأولى، فتقاليد الهجرة في هذه البلدان تجعلهم يختارون بلدانا كفرنسا وايطاليا، بينما من المعروف أن ألمانيا ارتبطت أكثر بهجرة الأتراك".
ويضيف يوسف الهلالي في نفس السياق:" الأفغان أو العراقيين مثلا عندما يأتون إلى فرنسا لا يحبون البقاء فيها وإنما يستقرون في ميناء "كالي" في انتظار أن يسافروا إلى بريطانيا، لأن لديهم في بريطانيا عائلات ومعارف يسهلون لهم المعيشة كالحصول على شغل." ويتابع الباحث المغربي:" أما المغاربيين فإنهم يتجهون بدرجة أولى إلى فرنسا وإذا لم يتسن لهم ذلك يسافرون إلى اسبانيا أو ايطاليا ولا يفكرون في بلد كألمانيا أو النرويج أو النمسا. وهذا الأمر توضحه الارقام والاحصائيات الرسمية جيدا".
ايطاليا أكثر الدول تأثرا بالربيع العربي
وإذا كانت ألمانيا لم تصلها موجات من المهاجرين، فإن بلدا كإطاليا وبالرغم من أنه أحد البلدان الأوروبية المتضررة من الأزمة الاقتصادية، فإنه كان أكثر البلدان الأوروبية التي كانت وجهة لآلاف المهاجرين غير شرعيين من تونس، والذين وفدوا في قوارب الى السواحل الايطالية ويقول يوسف الهلالي بهذا الصدد: "لكن أغلب الذين هاجروا في هذه الفترة عادوا الى تونس حسب الاحصائيات الرسمية التونسية، لأن وضعية هؤلاء المهاجرين لم تتم تسويتها".
ويضيف يوسف الهلالي: "فرنسا وايطاليا من أكثر الدول التي تأثرت بالربيع العربي بحكم التاريخ واللغة وما يمكن أن يصطلح عليه التخصص في الهجرة".وهذا ما دفع دولة كفرنسا بنهج سياسية انتقائية في مجال الهجرة واختيارية للمهاجرين، والتي يصفها الباحث المغربي ب" العدوانية" ويقول:" لقد تم طرد حتى الطلبة الذين كانت لهم في السابق امتيازات كالحق في الاشتغال في المؤسسات الفرنسية وقد أصدر وزير الداخلية الفرنسي مرسوما يمنع هؤلاء من ذلك"
وخلال أيام سيصدر قانون جديد للتراجع عن هذا القانون السابق، ويقول الهلالي:"لأنه تم الانتباه إلى أن هذا القرار أثر على المنتوجات الفرنسية عبر العالم خاصة في المغرب العربي"ويرجع يوسف الهلالي هذه السياسة في مجال الهجرة إلى التنافس الانتخابي بين الحكومة الحالية و اليمين المتطرف في فرنسا ويضيف الباحث:"عدد المطرودين ارتفع الى 33 الف مطرود وهو عدد مرتفع لم تصل اليه فرنسا من قبل ، كما أن عدد الحاصلين على الجنسية تناقص".
الديموقراطية تنفي أسباب طلب اللجوء السياسي
وربما يكون سبب حصول عدد قليل من العرب على حق اللجوء السياسي، راجع إلى أن سبب الحصول على حق اللجوء كان في السابق مرتبطا بالقمع الذي كانت تنتهجه الحكومات غير الديموقراطية في بلدان جنوب المتوسط، لكن وبعد سقوط هذه الأنظمة لم تعد هناك حجة للحصول على لجوء سياسي في البلدان الأوروبية.
ويقول يوسف الهلالي:" الرغبة في الهجرة نحو أوروبا لا ينبغي ربطها بالربيع العربي لأن الهجرة كانت موجودة ومنذ عقود ومنذ الخمسينات والسيتينات من القرن الماضي بالنسبة لبلدان المغرب العربي". ويضيف:"الأمر متعلق فقط بأزمة الهجرة في تونس نحو ايطاليا أثناء الربيع العربي". وهو ما دفع بهذا البلد إلى طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي لمواجهة الموجات القادمة من الجنوب" وهي موجات محدودة في الزمن" يقول الباحث المغربي.
تأثير حكم الإسلاميين على الهجرة إلى الشمال
وإذا كانت بعض الدول العربية قد استطاعت إسقاط الأنظمة السابقة، فإن هذا لا يعني أن وضع حقوق الانسان قد تحسن في هذه البلدان، فحسب منظمة العفو الدولية، فإن بعض هذه الدول مازالت تعيش انتهاكات في مجال حقوق الانسان، كمصر التي يستعمل فيها الجيش القوة ضد المتظاهرين، و حسب منظمة العفو الدولية دائما فإن أكثر الناس تعرضا لهذه الانتهاكات هن النساء.
وعن مستقبل الهجرة في هذه البلدان يقول يوسف الهلالي:"أعتقد أن الوضع سيرتبط أكثر بالوضع الاقتصادي لهذه البلدان التي تعيش الربيع العربي، فإذا تمكنت الحكومات الجديدة من تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتشجيع الحريات وخلق وضع ايجابي خاصة بالنسبة للشباب، لأن أغلب السكان لا يتجاوز سنهم 30 سنة، فستخف وثيرة الهجرة".
كما يظل السؤال عن مدى تأثير حكم الاسلاميين في المنطقة على الهجرة في هذه الدول سؤالا ملحا. يقول الباحث المغربي:"لا يمكن الإجابة عنه الآن لأن الإسلاميين لم يتجاوز حكمهم مدة الطويلة." و يضيف:"أظن أن الرهان هو الرهان الاقتصادي، والحكومات التي ستنجح هي الحكومات التي ستحقق ذلك، وأستحضر في هذا السياق النموذج التركي، كما يمكن لهذه الأحزاب أن تشبه بعض الأحزاب الكاثوليكية في أوروبا والتي هي أحزاب معتدلة".
ريم نجمي
مراجعة: هبة الله إسماعيل