الخرطوم: مظاهرات في الشوارع وسرادق عزاء في البيوت
٢٧ سبتمبر ٢٠١٣لم يكد يمضى يوم واحد على المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس السوداني عمر البشير، والذي قرر فيه رفع الدعم عن المحروقات، حتى تفاجأ المواطنون بزيادات مهولة في أسعار السلع وفى تعرفة المواصلات العامة، رغم تأكيدات الدولة بعدم تأثر السلع كثيراً برفع الدعم.
على إثر هذه الزيادات المفاجئة في الأسعار انطلقت تحركات ومظاهرات لمجموعات محدودة في أحياء الأطراف معبرين فيها عن احتجاجهم. وسرعان ما انتشرت المظاهرات، التي يقودها بعض الشباب وطلاب المدارس الثانوية في معظم أنحاء العاصمة حتى وصلت إلى قلبها ومركز ثقلها التجاري.
أسلوب مغاير في التظاهر اتبعه المحتجون تبدّى في إحراق إطارات السيارات بالشوارع، الأمر الذي عرقل حركة السير. بعض المتظاهرين كان يقذف السيارات المارّة بالحجارة والبعض قام فعلاً بحرق بعض المحال التجارية ونهبها.
انفجار الوضع
على نحوٍ غير مسبوق انفجر الوضع وصار في غير صالح المحتجين. إذ تمَّ حرق العديد من محطات خدمة البنزين ونهب المتاجر وتكسير المحلات بهدف التخريب لا غير. قيادات في الحكومة اتهمت جهات خارجية بتحريك المتظاهرين ومدهم بأسلحة لتنفيذ مخطط تخريبي كبير.
قيادي بالحزب الحاكم، فضل عدم ذكر اسمه، اتهم في حوار مع DW عربية الجبهة الثورية وحركات دارفورية متمردة بتحريك المظاهرات. وأبدى قلقه من انفلات المظاهرة وخروجها عن الاحتجاج السلمي إلى تصفية حسابات مع رموز حزبه. ولم يستبعد القيادي أن يشمل ذلك اغتيالات سياسية لبعض قيادات الحزب الحاكم ما لم تتحرك الأجهزة الأمنية بسرعة للإمساك بزمام الأمور.
"احتج ولكن لا تخرِّب بلدك"
وقد نفت قيادات شبابية لـ DW عربية قيامها بأعمال تخريبية أو حرق ونهب ممتلكات عامة. وأكد صلاح النور أن المجموعات المشتركة في الاحتجاجات كانت حريصة على عدم المساس بالممتلكات العامة أو الخاصة، وأشار إلى تسلل بعض العناصر المخرِّبة إلى صفوف المتظاهرين نافياً أن يكون ما قامت به هذه العناصر بهذا الحجم من التخريب.
فيما اتهم قيادي شبابي، فضل حجب اسمه، جهات حكومية بتنفيذ عمليات التخريب بغرض الإساءة للحملة الجماهيرية الرافضة لزيادة الأسعار. وأكد أنهم يرفعون شعار : احتج ولكن لا تخرِّب بلدك.
للمظاهرات وجه مأساوي برز في الكثير من بيوت الخرطوم وفى مدينة ود مدني ونيالا بدارفور، حيث تحول كثير من هذه البيوت إلى سرادق عزاء مفتوح للقتلى الذين سقطوا برصاص الشرطة.
دعوات لإسقاط النظام
مؤمن عثمان ساتي يبلغ من العمر ٢٥ سنة، سقط يوم الأربعاء برصاص الأمن في مظاهرات بالسوق المركزي بالخرطوم. ابن عمه الصحفي المستقل عبد القادر محمد عبد القادر يقول لـ DW عربية إن سلطات المشرحة رفضت تسليم جثمانه إلى حين حضور ذويه. ويرسم عبد القادر صورة قاتمة للوضع في مشرحة مايو جنوب الخرطوم ويقول إن "مؤمن" كان مسجى بين ٢٠ جثمانا.
ويصف عبد القادر ما يجري على الأرض الآن بالرفض الشعبي لقرارات الحكومة الرامية إلى رفع الدعم الحكومي عن المحروقات. ويرى أن "الأحداث تطورت بسرعة وعلا مع تطورها سقف المطالب إلى إسقاط النظام لفشله في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد".
صحف تحتجب عن الصدور
من جهةٍ أخرى دعت عدة أحزاب ومنظمات من المجتمع المدني إلى العصيان المدني. فيما طالبت شبكة الصحفيين السودانية أعضاءها بالتوقف عن العمل احتجاجا على ما يجرى من انتهاكات لحرية التعبير، وأدانت في الوقت نفسه اعتقال الصحفيين والإعلاميين واستدعاءهم من قبل جهاز الأمن والمخابرات وإيقاف بعضهم عن العمل.
وليس بعيداً عن موقف شبكة الصحفيين الداعي للتوقف عن ممارسة العمل، رفض عميد الصحافة السودانية، محجوب محمد صالح رئيس تحرير صحيفة الأيام العمل تحت شروط جهاز الأمن للصحف "كإعلام إدارة أزمة" وقرر التوقف عن العمل وتعليق صدور صحيفته ابتداء من الجمعة 27 سبتمبر، وعلى إثر موقف صالح سارعت صحيفتا (القرار) و( الجريدة) باتخاذ نفس الموقف.
من ناحية أخرى، عبرت الناشطة سليمى اسحق لـ DW عربية عن تفاؤلها بمظاهرات الخرطوم وقالت إنها أكثر قوة وتماسكا من سابقاتها واتهمت بعض الجهات الحكومية بتدمير المنشآت بغرض تشويه سمعة الثورة. وحسب رأيها فإن "أي دمار يحدث هو ضريبة لأي ثورة، ولا يقارن بأرواح الشباب التي قضت برصاص الشرطة".