"التعيينات الجديدة تأكيد لسياسات الملك سلمان"
٢٩ أبريل ٢٠١٥DWعربية: التعديلات التي أجراها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز في المناصب مؤخراً أجريت تحت شعار الدفع بوجوه شابة إلى المقدمة. ما الذي يقوله ذلك حول النزعات داخل الأسرة المالكة في السعودية حالياً؟
جون ماركس: أعتقد أن آل سعود وصلوا إلى وضع يجب عليهم فيه التفاوض من أجل تغيير الوجوه، وهذا ما رأيناه في السابق بعد وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم. آنذاك، كان هناك بالفعل تحرك من أجل تعيين شخصيات أصغر سناً وأكثر أهلية لمحاولة إعطاء قوة دافعة للعائلة المالكة. يجب أن نتذكر أن السعودية مبنية على نظام حكم يشارك فيه ما يقرب من سبعة آلاف أمير، ولكن ما رأيناه هنا هو استمرار لما بدأه الملك سلمان، خاصة في ما يتعلق بوزارة الخارجية، إذ تمت ترقية عادل الجبير مرة أخرى من منصبه كسفير في الولايات المتحدة، وهو منصب كان تعيينه له مفاجئاً أيضاً، إلى وزير للخارجية، خلفاً لسعود الفيصل، الذي شغل هذا المنصب منذ سبعينات القرن الماضي، ولكنه كان قد أعرب عن رغبته في التقاعد. لكننا نتحدث عن السعودية، التي يشكل فيها الانتماء إلى الأسرة المالكة مصدر القوة الرئيسي. لذلك، وبالرغم من تخلي سعود الفيصل عن منصب وزير الخارجية، إلا أنه سيحصل على منصب استشاري قيادي في ملف السياسة الخارجية، أي في حقيقة الأمر، سيبقى الأمراء الأكثر نفوذاً متنفذين، لكن تسيير الأمور اليومية للحكومة سيتغير شيئاً ما، إلا أننا نشهد بكل تأكيد تغييراً في الأجيال.
ولي العهد الجديد، الأمير محمد بن نايف، قاد حملة ناجحة ضد الحركات المتطرفة في السعودية قبل نحو عقد من الزمان. هل ترى في تعيينه لهذا المنصب الهام مكافأة له على جهوده، أم أن نسبه يلعب الدور الأكبر في ذلك؟
ماركس:معروف أن الأمير محمد بن نايف تقلد منصب وزير الداخلية لفترة طويلة، ولذا فهو جزء من تلك المجموعة الضيقة من الإخوة المعروفين باسم "السديريين السبعة". ولذلك، فهو ينتمي إلى النسل الصحيح. لكن كما أشرت، فهو معروف بنجاحه قبل عقد من الزمان في التصدي للحركات الإسلامية المتطرفة بالسعودية، في حقبة من الفوضى كانت المملكة لا تعرف كيف ستخرج منها، ولكنها انتهت بتأكيد آل سعود سيطرتهم على مجريات البلاد. بعض من ينتمون إلى الجيل "الشاب"، مثل محمد بن نايف، تتم الآن مكافأتهم بشكل جيد للغاية. وإذا ما تحدثت إلى العديد من المحللين السياسيين أو الدبلوماسيين الغربيين، ستجد أن محمد بن نايف شخص معروف في الغرب ويتحدث الإنجليزية بشكل جيد ولديه شبكة اتصالات واسعة مع الحكومات الغربية وأجهزة الأمن والمخابرات هناك. إنه معروف أيضاً بقدرته على إدارة أحد أكثر الملفات تعقيداً، ألا وهو ملف اليمن. لذلك، أعتقد أن الملك سلمان اختار ولياً للعهد يمتلك كل الصفات المطلوبة للمنصب ويحظى باحترام في العالم، وهذا برأيي هو الاختيار المنطقي للسعودية.
وماذا عن تعيين الأمير محمد بن سلمان، الذي لا يتجاوز الثلاثين من العمر؟
ماركس: هذا أيضاً تعيين يثير نفس القدر من الاهتمام، فنجل العاهل السعودي، ينتمي أيضا إلى النسل الصحيح. لكن قدراته ما تزال محل شك، كما أن عمره اليافع محل نقاش لدى مراقبي الشأن السعودي؛ لأن ترقيته جاءت بشكل سريع، وربما يكون ذلك بسبب عدم رغبته في الاستمرار بتولي منصب رئيس الديوان الملكي. إنه الآن ولي ولي العهد وما زال وزيرا للدفاع في فترة تستعرض فيها السعودية عضلاتها جواً وتقود الحرب في اليمن على درجة من العمليات العسكرية لم نرها منذ فترة طويلة.
ما هي فرص حدوث صراع داخلي في البلاط السعودي حول موجة التغييرات الجديدة؟
ماركس: هذه الأمور من الصعب جداً معرفتها. فالآليات والمؤسسات داخل البلاط الملكي السعودي لا تبدو فاعلة، وأذكّر في حقبة الملك عبد الله بمؤسسة تحمل اسم "هيئة البيعة"، التي تم تأسيسها لخلق حالة من الإجماع حول من سيقود المملكة لسنوات قادمة. هذه الهيئة لا يبدو أن لها تأثيرً يذكر، ولكنها اجتمعت اليوم للموافقة على تعيين محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. لذلك، من المحتمل أن يكون هناك من سيتهم العائلة المالكة بعدم التوازن، بسبب عودة السديريين وتعيين من يدينون لهم بالولاء. كما رأينا تراجعاً لأفراد عائلة الملك السابق عبد الله منذ وفاته إلى مواقعهم الأصلية، وبالتالي من المحتمل أن تكون هناك اختلافات في الرأي، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي يجب على آل سعود مواجهتها، وربما يكون ذلك ببناء آليات دفاع من نوع ما.
أية آليات دفاع؟
ماركس: ما يجب تذكره هو أن السعودية لا تزال دولة غنية للغاية ولكن ثرواتها موزعة بطريقة غير متوازنة على الإطلاق. ونذكّر بأن الملك سلمان أمر بمنح راتب شهري إضافي لكافة أعضاء الأجهزة الأمنية بعد الإعلان عن التغييرات الجديدة. وفي نهاية الأمر، يبقى آل سعود، وخاصة الفرع السديري من العائلة، في قلب شبكة واسعة النطاق من المحسوبية ما تزال قائمة وفعالة، إلا أن فعاليتها تمر بفترة صعبة للغاية، مثلما نرى حالياً في اليمن والمشاكل التي تمر بها المنطقة وتدني أسعار النفط عالمياً، بالإضافة إلى المطالب الاجتماعية للسعوديين أنفسهم. وعلى الرغم من أن السعودية توفر موارد هائلة لتغطية احتياجات التعليم والصحة، إلا أنه ما يزال أمامها الكثير لفعله.
كيف تقيم هذه التغييرات في إطار السياسة الخارجية للسعودية؟
ماركس: أعتقد أنها تأكيد لما نشهده منذ عدة أشهر بدلاً من كونها تغييراً في السياسة الخارجية. إذا ما نظرنا إلى ولي العهد الحالي، محمد بن نايف، سنجد أنه يدير الملف اليمني منذ عدة سنوات. وفي ما يتعلق بتجهيز وتحريك الحملة العسكرية في اليمن، ستجد أن دور محمد بن سلمان كان بارزاً للغاية فيها، ويمكننا القول إن التفكير الاستراتيجي في ما يتعلق باليمن يتفق مع فكر شاب أكثر مما يتفق مع فكر رجل أكبر سناً. وبالفعل، هناك جدل بين مراقبي الشأن السعودي حول مدى كون محمد بن سلمان أو محمد بن نايف الأكثر نشاطاً في الحث على العملية العسكرية في اليمن، ولكن الواضح أنه بين هذين الأميرين، وبالنظر إلى الترخيص الذي منحه الملك سلمان، فهما اللاعبان الأساسيان في الصراع باليمن ويحتلان مركزين هامين في عملية توارث السلطة المعقدة والمبهمة في السعودية.
وماذا عما يحدث في اليمن؟ ما هي تبعات هذه التغييرات على الصراع هناك؟
ماركس:تسمية ما يحصل في اليمن بحرب بالوكالة بين السعودية وإيران لا أتفق معها. أعتقد أنه يتم جرّ الإيرانيين إلى هذا النزاع. ما يحصل بالفعل هي حرب أهلية يمنية، والسعوديون في إطار هذه الحرب يجدون أنفسهم في مواجهة الثوار الحوثيين، الذين يتبعون المذهب الزيدي وينتمون إلى الطائفة الشيعية ولهم علاقات بإيران. لكن تحالفهم مع إيران ليس بالقوة التي يدعيها كثيرون في السعودية. في حقيقة الأمر، فإن الحوثيين متحالفون بشكل أقوى مع حليف قديم للسعودية، وهو الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ولكنهم تخلوا عنه الآن. هذا صراع يمني، والسعوديون اضطروا لبرهنة قوتهم هناك؛ لأن اليمن بدأ بالتداعي. وبسبب فهم جميع صراعات المنطقة في سياق الصراع الأكبر بين السنة والشيعة، فإن أي تقدم للحوثيين في اليمن قد يعني ازدياد النفوذ الإيراني هناك، ما سيشكل تهديداً للسعودية في جوارها المباشر. لذلك، أعتقد أن القيادة السعودية تجد نفسها مضطرة للسيطرة على مجريات الأمور (في اليمن) ووقف تقدم الحوثيين وهزيمة القوات الموالية لصالح، ومن خلال ذلك فهي تبعث برسالة واضحة لإيران بأنه لا يمكنها على الإطلاق أن تجعل لها موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية.
في خضم هذا الوضع، فإن كلاً من محمد بن نايف ومحمد بن سلمان لاعبان أساسيان، ويتم الآن ربطهما بـ"مغامرة يمنية"، وأية مغامرة سعودية في اليمن تنطوي على مخاطر جمة، بسبب طبيعة البلاد. السعودية ما تزال تتذكر ما قام به الأمير خالد بن سلطان عام 2009 عندما قاد هجوماً سعودياً فاشلاً ضد الحوثيين في اليمن، ما أثر عليه بشكل كبير. أعتقد أن التغييرات التي شاهدناها في الرياض خلال الـ48 ساعة الماضية تؤكد الاتجاه الذي تسير فيه السياسة السعودية حالياً، والقيادة السعودية ترى أن عليها تقديم نصر تقود فيه جهود إعادة الاستقرار إلى اليمن، وهذا سيكون أمراً بالغ الصعوبة، لأن اليمن لا يُعرف فيه بعد أي الفرقاء المتناحرين سيخرج منتصراً وتتغير فيه التحالفات بين عشية وضحاها. السعوديون يراهنون بكل ما لديهم على الانتصار في الحملة العسكرية، وهذا رهان خطير للغاية، بحسب رؤيتنا لتطور الأحداث في الشهور القليلة الماضية.
*** جون ماركس، خبير في شؤون الشرق الأوسط والخليج بمركز "كروس بوردر إنفورميشن"