التعديلات الدستورية في مصر.. لا صوت سوى صوت "نعم"
٢١ أبريل ٢٠١٩شوارع القاهرة وباقي المدن تغص باللافتات الدعائية الضخمة تظهر فيها صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي. يدلي المصريون بأصواتهم على التعديلات الدستورية على خلفية موسيقى شعبية "وطنية" تصدح من مكبرات الصوت.
وكان البرلمان المصري صوت الثلاثاء الماضي بأغلبية ساحقة من 531 صوتاً من أصل 554 نائباً على التعديلات الدستورية. وطبقاً للدستور الساري حالياً تنتهي فترة رئاسة السيسي الثانية والأخيرة ومدتها أربع سنوات في عام 2022. ووفقاً للتعديلات ستمدد فترة رئاسة السيسي الحالية لسنتين إضافيتين وسيحق له الترشح لفترة أخيرة مدتها ست سنوات بعد تعديل مدة الفترة الرئاسية. وقال رئيس مجلس الشعب (النواب) علي عبد العال إن التعديلات ستساعد على "تحقيق" الاستقرار.
"اعمل الصح"
"أنا هنا لأقوم بالشيء الصحيح"، تقول هبة رضا (30 عاماً) وهي واقفة بانتظار دورها للإدلاء بصوتها أمام أحد المراكز الانتخابية في القاهرة أمس السبت (20 نيسان/أبريل 2019). وتكشف هبة لـ DW أنها لم تطلع على التعديلات الدستورية المقترحة قبل تصويتها بـ "نعم".
بالإضافة إلى إتاحتها المجال بتمديد فترة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى 6 سنوات، بدلاً من أربع سنوات، تعزز التعديلات من سلطة الجيش؛ إذ أضيف إلى جانب دوره الأساسي في "حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها" مهام جديدة تتمثل في "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحريات وحقوق الأفراد". كما تمنح التعديلات الرئيس المزيد من الصلاحيات في تعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية من بين عدد من المرشحين تقترحها تلك الهيئات.
عندما سألناها لماذا تصوت بـ "نعم"، أجابت هبة رضا إن تلك التعديلات "صحيحة"، في إشارة غير مباشرة إلى حملة "اعمل الصح" التي أطلقها مؤيدو التعديلات.
لم يفت من كان وراء التعديلات تضمينها بعض "المُحليّات" كالتأكيد على التمثيل الملائم للعمال والفلاحين والشباب والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة وتحديد نسبة تمثيل المرأة في البرلمان بـ 25 %. كما نصت التعديلات على إنشاء مجلس ثان للبرلمان باسم مجلس الشيوخ عدد أعضائه 180 يختار الناخبون ثلثيهم بينما يعين رئيس الدولة الثلث الباقي. وقد تم إلغاء المجلس المذكور (الشورى سابقاً) بموجب دستور 2014.
تغيير خاطف
على الرغم من أن الاستفتاء أصبح أمراً محتوماً، بعد تقديم 155 نائباً، أي أكثر من خمس أعضاء مجلس النواب، بطلب لإجراء التعديلات في الثالث من شباط/ فبراير الماضي، بيد أن ما لفت الانتباه هو السرعة التي تم بها. بعد موافقة مجلس النواب الثلاثاء الماضي الباب لإجراء الاستفتاء، أعلنت لجنة الانتخابات الوطنية في اليوم التالي موعد الاستفتاء. واعتبار من الجمعة في خارج البلاد والسبت في مصر صوت يصوت المصريون على التعديلات، بعد عام فقط على الفترة الرئاسية الثانية للسيسي.
لم يعلن أحد على الملأ أنه صوت بـ "لا" على التعديلات. أما من صوت بـ "نعم" فقد قالوا إنهم فعلوا ذلك لإدراكهم فوائد التعديلات عن طريق الحملات الإعلامية الموالية للحكومة. غير أن القليلين صرحوا بأنهم كانوا مدركين وجود حملات تطرح فكرة أن التصويت بـ "لا" كان أمراً ممكناً.
"في النهاية سيقول الجميع ما يريدون قوله وما يعتقدون به. هذه هي الديمقراطية"، يقول محمد شفيق (26 عاماً)، معتقداً أن التعديلات في "صالح" البلد.
عبّر آخرون بشكل مختلف. "لا منافسة. حتى غير الراضين عن وضع البلد يعلمون أن استمرار السيسي يعني أن البلد سيزدهر"، يقول أشرف محمد، وهو صاحب متجر كتب سيصوت بـ "نعم" للتعديلات. ويتابع أشرف: "حتى لو أراد السيسي 10 أو 20 أو 50 سنة، ما المانع من تغيير الدستور، طالما الشعب موافق؟". ويردف مقارناً السيسي بالمستشارة الألمانية: "انظر إلى أنغيلا ميركل: إنها باقية في السلطة من أجل مصلحة الشعب".
تغييب للمعارضة
من الصعب العثور على أي دعم شعبي يحث المستفتين على التصويت بـ "لا"، وذلك بعد أن صرح المعارضون أنهم تعرضوا للتهديد وحتى الاعتقال. عشرات أعضاء "حزب الدستور" الليبرالي تم اعتقالهم بسبب تعبيرهم عن رفضهم التعديلات.
"الحركة المدنية الديمقراطية" المعارضة، وهي ائتلاف من أحزاب ليبرالية وأخرى ذات ميول يسارية، قالت إنها مُنعت من الحشد والتعبئة العامة ضد التعديلات ولم تُمنح تصريحاً بالتظاهر أمام مجلس الشعب (البرلمان). "موعد التصويت على التعديلات جاء بعد أيام من موافقة مجلس الشعب عليها"، يقول خالد داود من الحركة مردفاً أنه "بينما تقوم الدولة بحملتها وتملئ الشوارع باللافتات التي تحث على التصويت بالموافقة، نحرم من الظهور في وسائل الإعلام المحلية ويُعتقل أعضاؤنا".
وحجبت السلطات المصرية 37 ألف موقع في محاولة لمنع التصويت على حملة "باطل" الإلكترونية التي تجمع تواقيع ضد التعديلات، حسب مؤسسة NetBlocks، التي يتركز عملها على رصد شبكة الأنترنت. "بين طرح التعديلات على الاستفتاء وموعد بدئه لدى المصريين أقل من 72 و96 ساعة، حسب مكان تواجدهم، وذلك حتى يطلعون على التعديلات المقترحة ويفهمونها ويكونون رأياً تجاهها"، تقول الخبير القانونية في "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط" (TIMEP) مايا السعدني.
"تم التلاعب بالاستفتاء بشكل فعال قبل إدلاء أي مصري بصوته"، يقول تمثوي كالدس من نفس المعهد، مؤكداً أنه تم اعتقال المعارضين الذين أرادوا الحشد ضد التعديلات، بينما تم الاتصال بالبعض الآخر وتحذيرهم من مغبة فتح أفواههم.
وحلت مصر في المرتبة 161 من أصل 180 في التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" الذي يتناول وضع الحرية الصحفية في العالم.
"لم تجرِ أي نقاشات جدية للتعديلات في وسائل الإعلام المصرية. ومن هنا لم تعطَ الفرصة للمصريين لفهم وتقدير العيوب الكامنة في التعديلات"، يختم تمثوي كلادس حديثه معنا.
روث مايكلزون/ خ.س