"الباب ما زال مفتوحا": مستقبل مكافحة الإيدز في العالم العربي

لا يعتبر العالم العربي حتى يومنا هذا من المناطق المهددة من قبل فيروس العوز المناعي البشري HIV ومرض الإيدز. لكن أمورا عدة أهمها الظروف الصحية والاجتماعية إلى جانب المناخ السياسي والديني المنغلق تنذر بخلق ظروف مناسبة لعدم التعامل مع المرض الخطير بالشكل الذي يستحقه. ومن الأسباب الداعية للقلق الشديد عدم وجود إحصائيات يعتمد عليها في التعامل مع الفيروس في المنطقة. وبمناسبة انعقاد مؤتمر الإيدز العالمي الذي أنهى أعماله في تورينتو يوم 18 أغسطس/آب الحالي قام موقعنا بمحاورة د. أسامة طويل، مدير فريق الدعم الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه (UNAIDS MENA) وتحدث معه حول الظروف الحالية في المنطقة العربية ومدى تأثيرها على التعامل مع المرض في المنطقة.

دويتشه فيله: ألا يزال العالم العربي يعاني من مشكلة إنكار وجود الإيدز في مجتمعاته أم أنه تجاوز هذه المرحلة؟

د. اسامة طويل: بينما اتسمت الفترة الماضية بإنكار عام لمشكلة الإيدز، أظهرت تجاربنا في المنطقة العربية خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة اختلافا كبيرا بين الدول فيما يتعلق بموقفها من مرض الإيدز (متلازمة العوز المناعي المكتسب) من ناحية، وطريقة تعامل السلطات المختصة مع الوباء من ناحية أخرى. فبعض السلطات الصحية تستمر في التقليل من ضرورة التركيز على جهود الوقاية من الإيدز. ويتلازم هذا مع وجود إنكار عام لبعض السلوكيات المعرضة لخطر الإصابة ومدى التعرض لفيروس العوز المناعي البشري المسبب لمرض الإيدز. لكن هناك تفهم متزايد في دول كثيرة يعرف أن طبيعة الإيدز وتوابعه بالنسبة للأفراد والمجموعات يتعديان حدود المبادئ الأخلاقية ويمسان أمورا مثل التعليم والتهميش الاجتماعي والشباب والتنمية إلخ. وعندما يتبنى المسئولون عن السيطرة على الإيدز تلك النظرة الموسعة يكون بإمكانهم التأثير على الرأي العام بحيث يبتعد عن الحكم الأخلاقي البحت.

ما هي طبيعة المشاركة العربية في إطار مؤتمر الإيدز العالمي في تورنتو؟ من يمثل الاحتياجات العربية هناك؟ هل تلعب الحكومات الدور الأكبر أم المنظمات الغير حكومية؟

لقد لاحظنا في المؤتمرات السابقة أن الحكومات والباحثين وخبراء الصحة العامة والمنظمات الغير حكومية التابعين للدول العربية ممثلين بشكل غير كافي للغاية. وقد يرجع ذلك إلى عدد من العوامل أهمها أن عدد الأفراد والمنظمات، الذين يعملون في مجال الإيدز ما زال محدودا مقارنة بالمناطق الأخرى. في الحقيقة هناك احتياج لتمويل أكبر من الحكومات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة والفاعلين الدوليين لدعم المشاركة في تلك المؤتمرات. ومن ناحيتنا فقد أيدنا أو تأكدنا من مشاركة الدول في المؤتمر العالمي في تورنتو. كما تعاونا أيضاً مع شركاء ونظمنا جلسة عن تمكين الأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري HIV في المنطقة. هناك مشاركة مؤكدة من ناحية الحكومات والفاعلين غير الحكوميين، فقد شجعنا بشكل خاص مشاركة الأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري HIV والمنظمات غير الحكومية، لأن الأخيرة يجب أن تلعب دورا أكثر وضوحا وفاعلية في الدول المعنية.

هناك فجوة بين الاتجاهات الفكرية الحالية في العالم العربي، فبينما الحديث سائر عن الانفتاح والعولمة، وتزداد قنوات الإعلام توجها نحو الغرب يزداد التيار المتطرف تشددا. ما هي آثار ذلك على التعامل مع مسألة الإيدز؟ هل تساعد وسائل الإعلام المنفتحة على كسر المواضيع المحرمة أم يزداد الأمر صعوبة؟

هذا صحيح. تلك الاتجاهات تنعكس أو تؤثر في سياسات الحكومات الخاصة بعدد من القضايا الاجتماعية التعليمية والصحية، وهذا يسري للتعامل مع الإيدز. بغض النظر عن الموقف الذي تتخذه كل دولة، هناك حقائق اجتماعية مهيمنة تمس المنطقة العربية بأجمعها. فعلى سبيل المثال يدور الحديث في كل مكان حول تأثير عملية التحديث والسفر والتكنولوجيا المعلوماتية على الشباب. بالنسبة للإيدز يجب أن نتنبه لتلك التوجهات ونحاول أن ننقل الدروس المستفادة من تجارب بمناطق أخرى عن الوقاية والدعم والرعاية بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي والثقافي للمنطقة العربية. لا يمكن حدوث ذلك دون حوار حقيقي بين الحكومات والمجتمعات ورجال الدين والشباب وشرائح السكان المعنية. ومن الواضح أنه من الصعب الوصول إلى أكثر المجموعات احتياجا إلى المساعدة في المناطق التي لا تسمح بشكل عام بالمناقشات حول السلوكيات الجنسية وتعاطي المخدرات. لكن الباب ما زال مفتوحا، لأن الكثير من الدول تعترف الآن بالاحتياج إلى برامج التوعية حول متلازمة العوز المناعي المكتسب الإيدز وإمكانيات الوقاية منه، والخطوات الواجبة لتلك البرامج بهدف الوصول إلى المجموعات الأكثر احتياجا لتلك النشاطات.

ما دور الحكومات في مكافحة المرض؟ إنها تعرض نفسها للانتقاد من قبل الجهات الدينية إذا ما دعمت علاج "تلك المجموعات" المنبوذة اجتماعيا أو إذا دعمت التوعية الجنسية؟

بلا شك يجب على الحكومات أن تتخذ دورا قياديا في التعامل مع الإيدز، مهما كانت القيود التي تواجهها، فهي تتحمل المسؤولية وتملك الوسائل لإعداد الخدمات الصحية والاجتماعية والتأثير على الرأي العام واتخاذ الخطوات لتقليل مخاطر وآثار الوباء على مجتمعاتها. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمجموعات المعرضة، مثل العاملين بالجنس ومتعاطي المخدرات والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، فلا بد من تعاون الحكومات مع المنظمات الغير حكومية والجمعيات الأهلية التي يحتمل أن تكون أكثر قدرة على الوصول إلى تلك المجموعات وتوصيل الرسائل المعنية لها. وفيما يتعلق بالآراء المتباينة حول تلك المسألة فهناك بالفعل أمثلة إيجابية تم فيها تطوير مبادئ صحية واجتماعية موسعة للتركيز على تلك المجموعات.

توجد صعوبات في الاتصال بالسيدات بشكل عام في الوطن العربي. ألا يزيد الإيدز الأمر صعوبة؟ ماذا تفعلون بهدف التوعية بخطر انتقال المرض من الأم إلى الجنين؟

من الواضح أن مسألة مخاطبة السيدات بخصوص الإيدز مازالت تفتقر إلى الكثير من الجهود في العالم العربي. ولكن رغم ذلك هناك جهود يتم بالفعل بذلها من قبل المنظمات الغير حكومية وبعض الشخصيات المرموقة والوزارات في دول مثل المغرب والسودان. وهدفنا هو تعميم تلك الجهود. أما عن تحقيق الوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل، فهو واحد من التحديات الكثيرة التي تواجهنا. لكن تجدر الإشارة إلى أنه في الفترة الأخيرة سعت دول كثيرة إلى ضم الوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى طفلها إلى خططها القومية لمكافحة الإيدز. وذها يعكس وعي متزايد بالمسألة إلى جانب التركيز المتزايد على احتياجات المرآة العربية الخاصة. وفي سياق الأعداد القليلة لحالات انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل، فالمنطقة لديها فرصة ذهبية للوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل بالإضافة إلى توسيع إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية ما قبل الولادة وتحسين جودتها.

كيف يمكن لرجال الدين لعب دور بناء في التعامل مع الإيدز اليوم، خاصة وأنهم كانوا يصفونه بأنه عقابا لفساد الجسد والأخلاق؟

في معظم الدول تم بذل جهود لضم رجال الدين إلى الحوار حول الوقاية من الإيدز ورعاية الأشخاص المتعايشين مع الفيروس. هناك آراء متباينة في هذا السياق. لكن تجاربنا أظهرت أن المناقشات مع رجال الدين ضرورية وأنه في أحوال كثيرة يمكنهم الإسهام في تقوية جهود الرعاية والدعم للأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري HIV. فعلى سبيل المثال تم تجنيد رجال الدين للتعاون مع الحكومات والمنظمات الغير حكومية في دول مثل الجزائر لكسب المزيد من التقبل والخدمات للمحتاجين إليها. كما يجب لفت النظر إلى أنه إذا لم يتم تزويد تلك القيادات الدينية بالمعلومات الصحيحة حول الإيدز، بما يتضمن كيفية انتقاله والوقاية منه، سيعود الاتجاه نحو التفسيرات المبنية على الأحكام الأخلاقية. هذا يحدث في العالم العربي مثلما يحدث في بقية أنحاء العالم أيضا. إننا لا نريد إحياء آمال كاذبة، لكن هناك بكل تأكيد حوار متصاعد ومشاركة متزايدة لرجال الدين عبر دول كثيرة في العالم العربي.

مرضى الإيدز يحتاجون إلى مبالغ باهظة للعلاج. كيف يمكن جمع تبرعات لفئة من المرضى مرفوضة ومنبوذة بسبب الاعتقاد أن سبب إصابتها هو فسادها الأخلاقي؟

يجب أولا لفت الانتباه إلى أن الإصابة بفيروس عوز المناعة البشري HIV لا تحدث فقط في إطار تلك المجموعات، لكنها تحدث في نطاقات متباينة. بشكل عام تبقى مناقشة تلك المسائل أمرا صعبا في دولنا، ولكن هناك تغيرات جارية. فالقنوات الفضائية العربية والجرائد ووسائل الإعلام الأخرى على سبيل المثال تناقش مسائل حساسة الآن مثل تعاطي المخدرات والسلوك الجنسي والعمل الجنسي. فيما يتعلق بتعاطي المخدرات فقد حقق الباحثون والخبراء وصانعو السياسات نجاحات كبيرة فيما يتعلق بتغيير النظرة إلى تعاطي المخدرات من مجرد نظرة قانونية إلى تحليل للعواقب الصحية والاجتماعية المتعلقة به. أيضا يوجد اعتراف أكبر بوجود من يعملون بالجنس، ولكن ذلك المجال مازال يفتقر إلى جهود أكثر. إننا حتى الآن لا نستطيع تأكيد حدوث تغيرات نوعية في التعامل مع الإيدز، من الإنكار العام إلى تبني رؤية صحية عامة تحمي الفئات المعنية والمجتمع بشكل عام.

هل هناك تعاون حتى الآن بين المنظمات المختلفة في الدول العربية لمكافحة الإيدز سويا؟ ألن يساعد توحيد القوى في تقوية المصادر المالية وتبادل الأفكار والخبرات؟

إن الاقتراح بحدوث وحدة أكبر في الموارد والجهود في التعامل مع الإيدز هو صحيح تماما: نعم، إذا اتحدت الجهود والموارد في التعامل مع الإيدز فسوف نصل إلى فاعلية أكبر. أعتقد أننا نلاحظ تلك الزيادة في التعاون داخل وعبر دول المنطقة. فعلى سبيل المثال يلتقي نشطاء على المستوى القومي بانتظام في مناسبات إقليمية أو فوق دولية مختلفة، وهذا بدعم من وكالات الأمم المتحدة وغيرها. إلى جانب ذلك تم تأسيس عدد من منتديات التعاون بين المنظمات الغير حكومية NGO ووزارات الصحة ومراكز النشاط بوزارات أخرى لمناقشة مسألة الإيدز. لكن لازالت هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتحسين عملية توحيد الموارد وزيادة فاعلية الأنشطة. ورغم إمكانية هذه العملية إلا أنها تظل صعبة في ظل الأولويات الأخرى في المنطقة، والتي تتضمن النزاعات التي لا تنتهي والاضطرابات السياسية التي تمنع التركيز على الصحة والتحديات الاجتماعية والتنموية مثل الإيدز.

د. أسامة طويل، مدير فريق الدعم الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا UNAIDS MENA.

أجرت الحوار ماريان وجدي

www.dw-world.de/arabic