اغتيال الهاشمي.. اتهامات لأطراف عديدة وضربة لوضع عراقي هش
٧ يوليو ٢٠٢٠يثير اغتيال الخبير العراقي بشؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي الكثير من الأسئلة. فقد جاءت عملية الاغتيال في فترة حرجة لا يزال يعيش فيها العراق تداعيات الحراك الشعبي المناوئ للطبقة السياسية الحاكمة وكذلك للتدخلات الإيرانية. كما جاءت العملية في وقت عاد فيه التوتر إلى بلاد الرافدين، بعد سنوات تراجعت خلالها جرائم القتل الفردي والجماعي لأسباب سياسية أو عقائدية.
كما يطرح الاغتيال سؤالاً عن سبب استهداف أكاديمي غير محسوب على أيّ طرف عسكري في البلاد، وإن كانت آراؤه السياسية كثيراً ما توجهت بالنقد للفاعلين السياسيين في العراق.
والهاشمي الذي قتل عن عمر 47 عاماً، من مواليد بغداد. اشتهر بتحليلاته في العديد من المواقع الإلكترونية وقنوات التلفزيون عن الوضع في العراق، خاصةً ما يتعلّق بالجماعات المسلحة. وحسب ما أكده الهاشمي نفسه قبل اغتياله على حسابه بتويتر، فهو كان عضوا في المجلس الاستشاري العراقي، وباحثا في مركز السياسة العالمية (مقره واشنطن). وللهاشمي عدة كتب منها "عالم داعش.. تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" وكتاب "تنظيم داعش من الداخل".
وكتب الهاشمي في الآونة الأخيرة بشكل مكثف عن الحشد الشعبي، وتحدث في مقال تحليلي له في شهر أبريل/نيسان الماضي عن وجود خلاف عميق بين تيارين منقسمين فقهيا داخل الحشد، واحد مرتبط بالمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، والثاني مرتبط بالمرجع الشيعي العراقي الأعلى في النجف علي السيستاني.
كما دأب الهاشمي على توجيه انتقادات إلى أطراف السلطة في بلاده، وكذلك الجارة إيران، الذي كتب عنها في تغريدة، قائلا إنها "فشلت أن تدخل العراق، لكنها نجحت في إقناع عراقبين أن يفتحوا لها الباب من الداخل"، كما كان متعاطفا مع الحراك الشعبي في البلد.
من يقف وراء الاغتيال؟
تدور عدة تكهنات حول الجهة التي أمرت ونفذت عملية الاغتيال، إذ نقلت قناة الحرة عن صحافي عراقي لم يكشف عن هويته لأسباب أمنية، قوله إن الهاشمي أخبره في حديث هاتفي قبل أسبوعين عن تلقيه تهديدات خطيرة بالقتل، أحدها من مسؤول أمني لميليشيات كتائب حزب الله المرتبطة بإيران. وينقل الصحافي عن الهاشمي قوله إنه تلقى رسالة من الشخص المذكور تحمل تهديدا واضحا: "سوف أقتلك في منزلك".
ونشرت قناة الغد، مقابلة تلفزيونية قالت إنها آخر مقابلة أجريت مع الهاشمي قبل اغتياله، وفيها يحلّل الخبير الوضع الأمني بالعراق بعد هجمات فصائل مرتبطة بإيران على المنطقة الخضراء في بغداد. كما تحدث الهاشمي في المقابلة أيضا عن هجمات لهذه الفصائل بصواريخ الكاتيوشا على أهداف أمريكية في استمرار ردها على اغتيال قاسم سليماني.وكذلك تطرق لإطلاق سراح أعضاء مرتبطين بهذه الفصائل، مشيراً إلى أن بغداد غير قادرة على حماية الأهداف الأجنبية، ما جعل البعثات الدولية، خاصة الأمريكية، تعمل على حماية نفسها.
ويرى المحلّل السياسي ماجد القيسي أن الجهة التي قامت بالاغتيال هي الجهة المستفيدة من موت الهاشمي، متحدثاً لـDW عربية عن أن طريقة تنفيذ العملية تبيّن أنه كان هناك تخطيط لها، وأن "المنفذين ليسوا سوى أدوات، إذ يوجد مخططون أكبر"، حسب تعبيره.
ونأت طهران بنفسها عن مسؤولية الاغتيال، إذ أدان بيان للسفارة الإيرانية عملية الاغتيال، واصفا إياها بـ"العمل الإجرامي الذي كشف عن وجهه الخبيث باغتيال النخب". وتحدث البيان عن أن الهدف من العملية هو '"ضرب أمن واستقرار العراق وإثارة الفتنة والتفرقة بين أبنائه وإعادة العنف إليه".
ولم تحدّد بعد التحقيقات العراقية الجهة التي نفذت الاغتيال، وتوعد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بملاحقة المتورطين لينالوا جزاءهم، مشددا على أن حكومته لن تسمح بعودة الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي.
ويشير ماجد القيسي إلى أن توجيه الاتهامات لأطراف معينة، دون انتظار نتائج التحقيق، غالباً ما تتحكم فيه حسابات سياسية، خاصةً مع التوتر المستمر بين إيران ودول خليجية، وبينها وبين الولايات المتحدة. ويؤكد القيسي أن العراق يشهد صراعا سياسيا بين كل هذه القوى، وصل حدّ استقطاب أكاديميين ونخب، وحلّ قضية الاغتيال لن يتأتى بالتالي إلّا عبر جهد أكبر من المؤسسات الأمنية لكشف الفاعلين بعيدا عن الحسابات السياسية.
أي تأثير على حاضر العراق؟
خرج العراق بتكلفة باهظة من الاضطرابات التي أعقبت الحراك المطالب بالإصلاح، إذ قُتل المئات برصاص مجهولين أو قوات أمنية أو نتيجة حوادث متفرقة. ولا يزال البلد يعاني مشاكل سياسية كبيرة لم تستطع حكومة مصطفى الكاظمي، المشكلة حديثا، مواجهتها، خاصة استمرار السلاح في يد الميليشيات، واستمرار التدخل الأجنبي في البلاد.
ويرى ماجد القيسي أن حكومة الكاظمي، ورغم رغبتها بحصر السلاح في يد الدولة، إلّا أن هناك تحديات واسعة، من أهمها وجود أجندات خارجية تساهم في الإبقاء على السلاح بيد الميليشيات، ووجود انتشار كبير لهذا السلاح عبر الكثير من مناطق العراق، فضلاً عن تغوّل فصائل مسلّحة داخل مؤسسات الدولة، وعدم توّفر الحكومة على كلّ الأدوات التي تسّهل عملها، ومن ذلك عدم قدرة الكاظمي على إجراء تغييرات جذرية في مجموعة من المناصب المهمة.
رغم ذلك تظهر الدولة العراقية حازمة هذه المرة في التصدي للاغتيالات، إذ قرّر مجلس القضاء الأعلى إحداث هيئة تحقيق تختص بالاغتيالات، من ثلاثة قضاة وعضو ادعاء عام، بتنسيق مع وزارة الداخلية. لكن ما يواجه العراق ليس فقط استمرار الميليشيات المسلحة، ولكن كذلك الجماعات المصنفة محليا في قائمة الإرهاب، فهناك اتهامات من أقرباء الأكاديمي المغتال، عبر وسائل إعلام محلية، لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بتنفيذ العملية. بيد أنه لا يوجد أيّ تأكيد مستقل حتى الآن على تبني "داعش" للعملية.
إ.ع/ أ.ح