اعتقال البعثيين السابقين في العراق- ضرورة أمنية أم ضربة استباقية؟
١ نوفمبر ٢٠١١لا يزال الجدل قائماً في العراق على خلفية قيام الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات واسعة ضد كبار أعضاء حزب البعث المنحل وضباط الجيش العراقي السابق، والتي شملت 15 محافظة عراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان الثلاث. وتزامنت هذه الحملة مع موعد الانسحاب المرتقب للقوات الأمريكية من العراق نهاية العام الحالي. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي صرح بأن حملة الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية ضد البعثيين جاءت على خلفية كشف معلومات عن تخطيطهم للقيام بـ"انقلاب" من أجل السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد مطلع العام القادم. لكن نخب سياسية منافسة للمالكي أبدت "قلقها" من تداعيات هذا الاعتقالات وخشيتها من أن تقود العراق إلى عواقب "لا تُحمد عقباها".
"معلومات استخبارية غير دقيقة"؟
وكان نوري المالكي قد أعلن خلال مؤتمر صحفي، عُقد السبت الماضي (29 أكتوبر/ تشرين الأول 2011)، أن القوات الأمنية اعتقلت خلال الفترة القليلة الماضية 615 من أعضاء حزب البعث المنحل بتهمة "إعادة تنظيم الحزب والتخطيط لقلب نظام الحكم وإثارة الفوضى في البلاد".
ولم يتأخر رد منافسيه في القائمة العراقية كثيراً، إذ أعلنت القائمة بزعامة أياد علاوي، رفضها لعمليات الاعتقال هذه. وفي سياق متصل، قال رئيس القائمة في البرلمان العراقي، سلمان الجميلي، في مؤتمر صحافي إن "جميع الاعتقالات التي تجري في بغداد وبعض المحافظات مبنية على معلومات استخبارية غير دقيقة". وقال الجميلي إن "تلك المعلومات قدمتها بعض الأجهزة والعناصر الأمنية التي لا تريد للعراق خيراً، وتمتلك أجندات سياسية مرتبطة بإبقاء جزء من قوات الاحتلال في العراق".
ودعا الجميلي "القضاء العراقي إلى عدم الخضوع لتأثيرات القوى السياسية أو تضليل تلك الأجهزة"، مطالباً "القوات الأمنية التي نفذت حملة الاعتقالات باحترام حقوق الإنسان وتطبيق الإجراءات القانونية". كما حذر الجميلي ممّا وصفه ب"خطر انزلاق العراق بعد انسحاب القوات الأميركية في الفوضى والتفتيت الذي تعيشه بعض دول المنطقة". ودعا الكتل السياسية إلى تطبيق مبدأ الشراكة الوطنية "من أجل وحدة العراق".
تحقيق الاستقرار بعد الانسحاب الأمريكي
من جهته، اعتبر الدكتور عبد الحميد فاضل حسن، أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد، عملية الاعتقال التي نفذتها الأجهزة الأمنية ضد بعثيين سابقين بأنها أمر ضروري "لدواعي أمنية وقضائية". لكنه يرى في الوقت ذاته أن توقيت هذه العملية جاء متناقضاً مع تطلعات العراق المستقبلية لـ"تحقيق الاستقرار التام بعد الانسحاب الأمريكي منه".
ويضيف حسن في حوار مع دويتشه فيله "أنه من الخطأ القول إن الحملة استهدفت مكوناً دون آخر، فالاعتقالات شملت الكثير من المحافظات ذات الأغلبية الشيعية ولم يقتصر الأمر على المدن السنية". ويرى أستاذ الفكر السياسي أن الموضوع أخذ صدى واسعا بفعل وجود أطراف في العملية السياسية "تشعر بأن وسطها الانتخابي في صفوف المؤيدين لحزب البعث المنحل والتي تجد من الضروري الدفاع على كل شيء يتعلق بالبعثيين".
ويشير حسن إلى الأثر السلبي لعملية الاعتقالات من خلال تحجج بعض الأطراف المعارضة والفاعلة في العملية السياسية "بأن الحكومة العراقية تهدف من خلال هذه الاعتقالات إلى بقاء قوات الاحتلال لوقت أطول".
"غياب الثقة بين النخب السياسية"
ويعزو أستاذ الفكر السياسي الجدل القائم بشأن حملة الاعتقالات إلى "عدم وجود الثقة على مستوى النخب السياسية". ويرى أن ذلك تسبب في "تفكك المنظومة السياسية وإثارة مخاوف أطراف متعددة بشأن مستقبلها والحفاظ على مصالحها بعد الانسحاب المرتقب للقوات الأمريكية."
أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي في بغداد سلام الشبلي فيرى في عمليات الاعتقال التي تنفذها السلطات الأمنية في المحافظات الوسطى والجنوبية بــأنها "باطلة"، معتبرا أنها قامت على نوايا وليس حقائق، بحيث يقول: "لا يُعقل أن يعاقب القانون على نوايا دون أن تقترن بفعل". ودعا الشبلي، في حوار مع دويتشه فيله، إلى الإفراج عن المعتقلين البعثيين ممن لم تثبت إدانتهم بارتكاب جرائم ضد الشعب العراقي، وذلك "للحيلولة دون تعرض البلاد لعواقب غير حميدة"، على حد وصفه، مشددا على ضرورة "إقامة دولة مبنية على قدر كبير من التسامح بين أبناء الشعب والنخبة الحاكمة في البلاد".
ويضيف المحلل السياسي سلام الشبلي قائلا: "فشل الحكومة في إدارة الشؤون الداخلية سيجرف البلاد إلى مأزق خطير متمثل في حرب أهلية بعد الانسحاب الأمريكي". ويرى أن التجربة الديمقراطية في العراق لن يكتب لها الاستمرار في حال ما "بنيت على أساس الانتقام والتهميش". ويؤكد الشبلي قائلا: "سيادة القانون والتعددية الحزبية والانتخابات والحرية الفردية هي أعراف ديمقراطية أصيلة ومن الواجب الاستناد عليها".
يُُذكر أن الدستور العراقي الجديد منع عودة حزب البعث إلى الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق عام 2003، وتشكلت على إثر ذلك هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث، لكنها لم تفرض عقوبات قضائية على أعضائه سوى الإبعاد من الوظيفة.
مناف الساعدي - بغداد
مراجعة: شمس العياري