"تفجير سفارة إيران انتقال لأزمة سوريا إلى لبنان"
١٩ نوفمبر ٢٠١٣استهداف السفارة الإيرانية انتقال فعلي للأزمة السورية إلى لبنان"
أبدى الخبير اللبناني الدكتور خطار أبو ذياب خشيته من تحول لبنان إلى"دولة فاشلة" ومسرح جديد للأزمة السورية. ففي حوار مع DW، يتوقع الخبير اتساعا لنطاق الصراع بين "الجهادَيْن" السني والشيعي من لبنان إلى الخليج.
يعتقد الخبير اللبناني الدكتور خطار أبو ذياب، الخبير بمعهد دراسات الجيوبوليتيك في باريس، أن عملية التفجير التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت، تشكل "تحولا" في مجريات الصراع الشامل الممتد من بلاد الشام إلى بلاد ما بين النهرين(العراق)، ويعني ذلك برأي الخبير اللبناني"انتقالا فعليا للأزمة السورية إلى لبنان".
في حوار مع DWعربية، يحلل الدكتور خطار أبو ذياب انطلاقا من المؤشرات الأولية للعملية التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت اتجاهات تطور الصراع في سوريا وانعكاساته على الوضع في لبنان، معربا عن خشيته من تحول لبنان إلى "دولة فاشلة".
وفيما يلي نص الحوار:
DW: هل أن ضخامة وتوقيت التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت، يؤشر إلى أن لبنان أصبح مسرحا وامتدادا للحرب الأهلية في سوريا؟
الدكتور خطار أبو ذياب: نعم هذا الانفجار استهدف السفارة الإيرانية ومحيطها في منطقة محصنة أمنيا في بيروت، هو في حد ذاته تحول، وهو من أكبر العمليات الخارجية التي استهدفت المصالح الإيرانية في العالم. ويشكل هذا التفجير نقطة تحول على الساحة اللبنانية، إذا ثبت أن من قام بهذه العمليات انتحاري أو انتحاريان، في انتظار تأكيدها. لكن بعد حوادث إطلاق صواريخ وانفجارات في الضاحية الجنوبية ببيروت، يأتي هذا العمل ضد السفارة الايرانية وضد حزب الله في آن واحد، يعني انتقالا فعليا للأزمة السورية إلى لبنان، وأن الحرب التي يشارك فيها حزب الله وأطراف أخرى في سوريا تنتقل الآن إلى لبنان. وربما تكون هذه العملية الأولى فعليا في لبنان تتم بتوقيع إحدى الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وكيف تتوقع ردود الفعل من جانب إيران أو حزب الله، هل يرجح أن يكون لبنان مسرحا لها من جديد أم ربما يكون هنالك نطاق أوسع من لبنان لرد الفعل؟
لحد الآن يحاول الجانب الإيراني إعطاء إشارات بأن ما يسميه "الكيان الصهيوني" أي إسرائيل، وراء هذه العملية. وحزب الله يقول إن هكذا عملية لن توقعه في شرك الفتنة (لبنانيا)، لكن مما لا شك فيه ان لبنان، ومنذ قيام العملية التي استهدفت الشيخ الأسير في صيدا في يونيو حزيران الماضي، يتجه (لبنان) إلى مزيد من التوتر على وقع الوضع الإقليمي.
واعتقد أن الوضع بدأ يكتسي طابعا أكثر ترابطا فيما بين الأحداث الجارية في منطقة مابين بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، من العراق إلى سوريا و لبنان، ورقعة الصراع تتسع شيئا فشيئا. وكل جهود الحكومة اللبنانية المستقيلة، فيما سمته "النأي بالنفس"، سقطت مع انخراط حزب الله في الحرب السورية، منذ معركة القصير في مايو أيار الماضي.
وهل يعني ذلك ان التداعيات على الداخل اللبناني وجهود البحث عن توافق وطني، ستكون أيضا سلبية ووخيمة؟
نعم، يعيش لبنان الآن في خضم أزمة سياسية واقتصادية وأمنية متفجرة بحد ذاتها. فناهيك عن أزمة الحكم في لبنان، هنالك وجود سوري عبر اللاجئين فاق مليون نازح، أي حوالي ثلث سكان لبنان، وهو ضع دقيق جدا من الناحيتين الديمغرافية والأمنية. وسياسيا، ليس هنالك حكومة والبرلمان مدد لنفسه، وهنالك انتخابات رئاسية يفترض نظريا ان تفتتح في 25 مارس آذار 2014، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فستكون هنالك استحالة لإجراء هذه الانتخابات. وبالتالي سينتج فراغ إضافة للفراغ الموجود، وهنالك خطر فعلي بأن يتحول لبنان مع الأيام إلى دولة فاشلة. وبأن يصبح حل الوضع في لبنان مرتبطا بحل الأزمة في سوريا وبمجمل الوضع الإقليمي.
نحن إذن أمام، عملية إعادة استخدام للساحة اللبنانية في سياق الأزمات الإقليمية، بعد أن كانت الساحة اللبنانية على الأقل لمدة عقدين (منذ بداية السبعينات) مسرح حروب متنقلة وساحة لتصفية الحسابات، ويبدو أن الوضع يعود في لبنان لما كان عليه نتيجة للحرب في سوريا.
هل ستشكل هذه المعطيات عوامل ضغط على حزب الله ليتراجع عن انخراطه في الأزمة السورية، أم العكس، حيث يمكن ان تكتسي أدواره أكثر حدة ليس فقط في سوريا بل داخل لبنان أيضا؟
إذا استندنا إلى أحدث خطابات حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، وظهوره العلني لأول مرة، نفهم منها جيدا أن حزب الله كان بصدد توجيه رسالة للأقربين كما للأبعدين، مفادها بأنه لا يقبل بان تكون هنالك تسوية إقليمية على حسابه. وأنه مع كل صرخات النصر في لبنان فهو يخشى على مستقبله في لبنان، وأنه يخشى من تطورات الوضع. ويبدو أن وقوع الانفجارات أمام السفارة الإيرانية في قلب معسكر حزب الله وفي عقر مربعاته الأمنية، يؤكد ان خشية الحزب في محلها، وبالتالي هذا يؤشر إلى أن حزب الله ليس واردا لديه مؤشر التراجع.
لأن الإيديولوجيات المتشددة سواء لدى حزب الله، أو الأطراف الأخرى المتصارعة معه، أي الجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة وأخواتها، لا تفسح الكثير من المجال للمرونة. وحزب الله الممسك فعليا بزمام الأمور في لبنان لا يتجه لأي مرونة، وبالمقابل فان الطرف الآخر، وأعني به هنا تيار المستقبل، كما أكد زعيمه سعد الحريري، ليس مستعدا أن يمنح حزب الله شرعية وطنية يبحث عنها.
بعد دورها الميداني، بدأ تأثير إيران في الأزمة السورية حاليا يكتسي طابعا ديبلوماسيا، عبر دخولها مباشرة على خط المشاركة في مؤتمر جينيف 2، فهل أن استهداف المصالح الإيرانية سيعزز دورها السياسي في الأزمة السورية أم لا؟
ربما يكون استهداف المصالح الإيرانية في لبنان، له صلة بمسألة البرنامج النووي الإيراني وبالحوار الأميركي الإيراني، فربما تكون الأمور أبعد مما نتصور. ولسنا بصدد إعطاء تقييم نهائي لهكذا عمليات، بل نحن نقرأ المؤشرات الأولية. واعتقد أن الدور الإيراني مستهدف وحتى الآن لم تقبل الولايات المتحدة مشاركة إيران في مؤتمر جينيف، نتيجة فيتو من قسم كبير من جماعات المعارضة السورية، وكذلك من دول اقليمية. وفيما يبدو فان حضور إيران ودول إقليمية أخرى مثل السعودية وتركيا أو غيرها، سيكون فقط في بداية المؤتمر، إذا عقد، كمشاركة في شكل ديكوري، ولن يكون مشاركة فعلية في عمليات البحث عن حلول للأزمة، لأنها ستكون عملية تفاوضية يتحكم فيها الأميركيون والروس أكبر مما هي مؤتمر دولي للقوى الإقليمية والدولية، هذا إذا عقد المؤتمر وتوفرت له سبل النجاح.
اعتقد أن إيران تمسك بالورقة السورية، ولولا المحور الإيراني ودعمه لما بقي الحكم في سوريا ممسكا بزمام الأمور.
إذا، نعم إيران لن تقبل بالتخلي عن الحكم في سوريا لأنه ممرها إلى الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. ولن تقبل إيران أيضا بالتخلي عن حزب الله لأنه أهم ورقة إستراتيجية بيدها في المنطقة. ولذلك أرى بان تفجير السفارة الإيرانية في بيروت هو جزء من الحرب الشاملة بين المحورين من لبنان إلى الخليج.
هل تساهم هذه التطورات في حل الأزمة السورية على المدى القريب أم ستطيل في عمرها؟
برأيي، وللأسف، أن الصراع في سوريا لم يستنفذ وظيفته الجيوسياسية حتى الآن. هنالك استخدام لهذا الصراع من قبل قوى إقليمية ودولية. ويعتقد البعض في العالم ان تطور المعركة بين ما اسميه"الجهادَيْن" السني والشيعي، أي اندلاع حرب إسلامية إسلامية على نطاق واسع، يخدم مصالح أطراف تريد الحد من نفوذ الجماعات المتطرفة. وفي هذا السياق، نجد دولة مثل إيران تحاول الإمساك بالورقة السورية، وبالمقابل فان دول أخرى مثل تركيا أو السعودية، لا يمكن أن تقبل بتحول الورقة السورية لمصلحة فئة دون أخرى، هذا يعني أن سوريا أمام تنازع وتجاذب كبيرين بين كل هذه الأطراف.
وقد لاحظنا انه بمجرد ظهور تحول طفيف في الموقف الروسي، عندما قام السيد بوقدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بزيارة إلى اسطنبول والاجتماع مع بعض قوى الثورة والمعارضة. آنذاك قام النظام السوري وحلفاؤه بهجمات واسعة في اتجاه حلب وقلمون المحاذية للبنان وفي ريف دمشق، وكأنهم يقولون من خلال ذلك بأنهم يستبقون محادثات جينيف بحسم ميداني على الأرض، لترجمة ذلك سياسيا.
ومن جهته، يشن الطرف الآخر الهجمات ويحاول القيام بعمليات مضادة لوقف تقدم القوات النظامية سعيا منه لمنع النظام من تحويل إجازاته الميدانية إلى انجاز سياسي. إنها معادلة دموية. واعتقد أن مؤتمر جينيف حتى لو عقد، فسنكون بحاجة إلى عدة مؤتمرات أخرى قبل الوصول إلى حل سياسي متوازن ومعقول للوضع السوري.