أولوية الاستقرار السياسي وآلية إجراء الانتخابات البرلمانية في ألمانيا
جاء قرار المستشار الألماني غيرهارد شرودر بحل حكومته وإجراء انتخابات تشريعية اتحادية مبكرة قبل عام من موعدها المحدد ليظهر مدى تعقيد وتداخل اختصاصات الهيئات الدستورية الألمانية. فآلية صناعة القرار السياسي الألماني لا تقوم فقط على أغلبية الحكومة الاتحادية في البرلمان (البوندستاغ) فقط، بل أيضاً على الأغلبية المسيطرة على مجلس الولايات (بوندس رات) الذي يمثل الولايات الألمانية في تشريع القوانين وإدارة شؤون جمهورية ألمانيا الاتحادية رغم أنه لا يعد جزء من حكومات الولايات الألمانية، بل هيئة فيدرالية تضطلع باختصاصات اتحادية فقط.
ونظراً للتشكيلات السياسية الحزبية المختلفة في الحكومة الألمانية الاتحادية ومجلس الولايات، فإنه يمكن لمجلس الولايات أن يحقق نوعاً من التوازن السياسي ويدافع عن المصالح الحيوية للولايات في إطار الفيدرالية الألمانية. غير أنه يمكن أن يستخدم كأداة تستغلها المعارضة لتكبيل يد الحكومة الاتحادية، وهو ما حدث في السنوات الأخيرة حيث هيمنت المعارضة المحافظة على أغلبية مقاعد مجلس الولايات، وهو ما قلص قدرة الحكومة الاتحادية على تمرير قوانين مهمة مسببا حالة من الشلل السياسي شبه الكامل.
أولية الاستقرار السياسي
تجرى الانتخابات الاتحادية للبرلمان الألماني (البوندستاغ) في الوضع الطبيعي كل أربع سنوات، ووفقاً للفترة النيابية الحالية فإنه من المقرر إجراء الانتخابات القادمة في صيف عام 2006. ولكن إمكانية الانتخابات المبكرة تبقى موجودة في حالة وجود "ظروف استثنائية" مثل حالة الشلل السياسي العام الناتج عن هيمنة المعارضة المحافظة على مجلس الولايات، أو غياب أرضية شعبية تؤيد سياسية المستشار الإصلاحية. لكن القرار النهائي بخصوص حل البرلمان وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة يبقي في يد الرئيس الألماني هورست كولر، الذي يتمتع بـ"صلاحيات احتياطية" تعطيه مجالا للمناورات السياسية.
وعلى الرغم من أن الدستور الألماني يضع أولية الاستقرار السياسي في بؤرة العمل السياسي، إلا أنه يتيح للمستشار إمكانية طرح قضية الثقة حول حكومته، وفي هذه الحالة تتعمد الحكومة الاتحادية أن تخسر التصويت معلنة فقدانها لأغلبيتها في البرلمان الاتحادي. وهنا تعود الكرة إلى ملعب الرئيس كولر الذي يملك مهلة21 يوماً لتحديد ما إذا كان سيحل البرلمان ويفتح الطريق أمام انتخابات برلمانية مبكرة. وهنا يعطى الدستور الألماني الرئيس إمكانية اتخاذ القرار الذي يراه متوافقاً مع "روح ونص الدستور".
تجنب أخطاء الماضي
وصول النازيين إلى سدة الحكم في عام 1933 بعد استغلالهم لنقاط ضعف نظام جمهورية فايمار، التي كانت أول دولة ديمقراطية في التاريخ الألماني، دفع آباء القانون الأساسي على سن هذا التشريع بوعي تام. ويهدف القانون إلى تجنب تكرار أخطاء دستور جمهورية فايمار. فهو يمنع جماعات المعارضة التي تعارض الحكومة، دون أن تكون قادرة على الاتفاق على برنامج حكومي بديل، من إسقاط الحكومة. وعلى وجه الدقة فلا بد للبرلمان الاتحادي الذي يريد حجب الثقة عن المستشار أن يختار في الحال بأغلبية أصواته خلفا للمستشار. والجدير بالذكر في هذا السياق أنه جرت محاولتان سابقتان لإسقاط المستشار الاتحادي من خلال ما يسمي "حجب الثقة البنّاء" وفقاً لمادة الدستور67، ولم يُكتب النجاح سوى لواحدة منهما: فمن خلال حجب الثقة عن المستشار الأسبق هيلموت شميت في أكتوبر/تشرين الأول 1982 أصبح هيلموت كول خلفا له وترأس تحالفاً بين الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ والحزب الديمقراطي الحر حكم ألمانيا حتى عام 1998.
لؤي المدهون