ألمانيا ـ انطلاق أول محاكمة في العالم بشأن التعذيب في سوريا
٢٣ أبريل ٢٠٢٠استمع رجلان يشتبه أنهما من أفراد أجهزة أمن الرئيس السوري بشار الأسد لاتهامات بالتعذيب والاعتداء الجنسي وجهتها لهما محكمة في مدينة كوبلنز الألمانية اليوم الخميس (23 أبريل/ نيسان 2020)، فيما وصفها محامون بأنها أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون.
ومثل أمام المحكمة أنور ر. المشتبه به الرئيسي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويتهمه القضاء الألماني بالمسؤولية عن مقتل 58 شخصا وعن تعذيب ما لا يقل عن أربعة آلاف آخرين من نيسان/أبريل 2011 إلى أيلول/سبتمبر 2012، في فرع الخطيب الأمني، الذي كان يديره في دمشق.
وأنور ر. هو ضابط سابق بالمخابرات السورية، طلب اللجوء إلى ألمانيا قبل ست سنوات بعد أن غادر سوريا. وجلس المشتبه به اليوم الخميس، وهو أشيب ذو شارب ويرتدي نظارات وسترة سوداء، هادئا خلف حاجز زجاجي أُقيم ضمن قواعد الوقاية المرتبطة بأزمة تفشي جائحة فيروس كورونا. وشملت الاتهامات التي تُليت عليه اتهاما واحدا على الأقل بالاغتصاب وعدة اتهامات بالاعتداء الجنسي.
كما مثل أمام المحكمة إياد أ. (43 عاما)، والذي غطى وجهه بقناع، وهو متهم بالتواطؤ في جريمة ضد الإنسانية لمشاركته في توقيف متظاهرين تم اقتيادهم إلى هذا السجن بين الأول من أيلول/ سبتمبر و31 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وأعاد مترجمون فوريون التهم باللغة العربية على المتهمين اللذين عرفا باسميهما الأولين فقط وفقا لقوانين الخصوصية الألمانية. وأثنى المؤيدون للمحاكمة على تلك الإجراءات القضائية بوصفها أول خطوة نحو تحقيق العدالة لآلاف السوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، وذلك بعد فشل المحاولات التي استهدفت إقامة محكمة دولية بشأن سوريا.
وتجري المحاكمة في ألمانيا عملا بمبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح لدولة ما بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان وقوع جريمتهم. وتقول منظمات غير حكومية إنها الوسيلة الوحيدة لمقاضاة مسؤولين لأن رفع أي قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية مستحيل بسبب استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو).
واستند المحققون بصورة خاصة إلى إفادات ضحايا عانوا من شروط اعتقال "لا إنسانية ومذلة" بحسب القضاء وتمكنوا من الوصول إلى أوروبا. ومن المتوقع أن تُعرض خلال المحاكمة صور من بين آلاف التقطها مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف عنه باسم مستعار هو "قيصر"، تمكن من الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب، كما سيتعاقب شهود وضحايا سوريون للإدلاء بإفاداتهم.
وبحسب النيابة العامة الألمانية، فإن المعتقلين في سجن الخطيب الذين شارك العديد منهم في التظاهرات المطالبة بالحرية والديموقراطية التي شهدتها سوريا في سياق تحركات "الربيع العربي" اعتبارا من آذار/مارس 2011، تعرضوا "للكم والضرب بالعصي والأسلاك والجلد" كما خضعوا لـ"الصعق بالكهرباء". وتضيف أنه تم تعليق البعض بمعصميهم "بحيث لا يلامسون الأرض إلا برؤوس أقدامهم" و"استمرّ ضربهم في هذه الوضعية"، مشيرة كذلك إلى "حرمانهم من النوم لعدة أيام".
وقالت غوده ينسن، رئيسة لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان بالبرلمان الألماني (بوندستاغ) إن "من المهم تحقيق العدالة لجميع هؤلاء الضحايا". وأضافت في حديث لها مع DW إن تلك المحاكمة تعتبر "علامة مرجعية لدول أوروبية أخرى" وأوضحت ينسن أنه بالطبع كان من الصعب تقديم الأدلة اللازمة لإجراء محاكمة "لكن بسبب أزمة اللاجئين (...) نحن الآن في وضع يمكننا في الواقع من التحدث مع الشهود..".
وقال فولفغانغ كاليك الأمين العام لـ"المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان"، المنظمة غير الحكومية الألمانية، لوكالة فرانس برس إن المحاكمة المحاطة بتدابير أمنية مشددة وستستمر حتى منتصف آب/ أغسطس على أقرب تقدير، تشكل "خطوة مهمة وبداية النظر في جرائم (النظام السوري) أمام محكمة عليا ألمانية".
"محاكمة تاريخية"
وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن المحاكمة ستكون "بمثابة إنذار شديد اللهجة للذين يرتكبون حاليا تجاوزات في سوريا: لا أحد فوق القانون"، وهي ترى أنها "محطة أساسية في مكافحة الإفلات من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان البالغة الخطورة المرتكبة في سوريا".
من جانبها وصفت منظمة العفو الدولية المحاكمة بـ"التاريخية"، و"خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين اعتقلوا وعذبوا وقتلوا بصورة غير قانونية في سجون ومراكز احتجاز الحكومة السورية"، حسب تعبير رئيسة القسم السياسي بالمنظمة يوليا دوخروف. وأضافت بأن "إن المحاكمة علامة فارقة في النضال ضد الإفلات من العقاب على أخطر انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا".
ولم يشأ محامو المتهمين الإدلاء بأي تصريح قبل المحاكمة. غير أن بشار الأسد نفى ردا على سؤال حول محاكمة أنور ر. حصول أي أعمال تعذيب، في مقابلة أجرتها معه شبكة "آر تي" الروسية القريبة من الكرملين في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد وفاة ما لا يقل عن 60 ألف شخص تحت التعذيب أو نتيجة ظروف الاعتقال المروعة في سجون النظام السوري.
ع.ج.م/ص.ش (أ ف ب، ك.إن.أ، رويترز)